والجواب :
أولا : إنّ الكذب وإن كان قبيحا لكن تسليم النبي أو إنسان بريء إلى القتل أقبح ، وإذا اجتمع قبيحان لا محيص عنهما لا بدّ من ارتكاب أضعفهما من باب التزاحم بارتكاب أحد المحذورين.
ثانيا : إن استدلال الأشاعرة بذلك مبني على كون قبح الكذب وحسن الصدق كقبح الظلم وحسن العدل ذاتيين لا يتغيران ، لكنّ الإنصاف أنّ قبح الكذب وحسن الصدق ليسا ذاتيين بل هما من الأمور التي تغيّرها العوارض والطوارئ التي تطرأ عليها ، فمرة يكون الصدق حسنا إذا لم يترتب عليه محذور آخر ، ومرة يكون قبيحا إذا ترتّب عليه محذور كإيذاء معصوم أو مؤمن إلى ما هنالك من الطوارئ والعوارض العارضة عليه.
هذه أهم أدلة الأشاعرة على نفي الحسن والقبح العقليين اما إثباتهما فمبنيّ على القول بأن الإنسان فاعل مختار ، وأما بناء على رأي الأشاعرة النافين لاختيار الإنسان وإنما هو مجبور في أفعاله فالبحث عنهما حينئذ منفيّ بانتفاء موضوعه لأنّ شيئا من أفعال المجبر على أفعاله لا يتصف بالحسن والقبح عقلا ، لأنه بنظرهم قد أجبر الله الإنسان على فعل القبيح تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
النقطة الثانية :
استدلال العدلية على إثبات الحسن والقبح العقليين :
يستدلّ عليه بوجوه :
الوجه الأول :
إنّا نعلم بالضرورة العقلية حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى شرع ، فإنّ كل عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه ، وبقبح الإساءة والظلم ويذمّ عليه ، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشك وليس مستفادا من الشرع.
الوجه الثاني :
اننا لو لم نعلم حسن الأشياء وقبحها عقلا كالصدق والكذب فإنه لا يمكننا أن نحكم بقبح الكذب فجاز وقوعه منه تعالى ، فإذا أخبرنا سبحانه عن طريق أوليائه أن الكذب قبيح لم نجزم بقبحه ، وإذا أخبرنا عن شيء أنه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب عليه لأنه في هذا الحال يجوز أن يأمرنا بالقبيح وأن ينهانا