الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزّه عن النقص ، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا (على حدّ تعبير الإمام الباقر عليهالسلام).
وما أجلّه من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق! وكذلك يلحق بالكافر من قال إنه يتراءى لخلقه يوم القيامة وإن نفى عنه التشبيه بالجسم ، فإن أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث ، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم ، فلم يستطيعوا أن يتصرّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.
* * *
تطرّق المصنّف (قدسسره) في هذا الباب من هذا الفصل إلى ثلاثة أمور :
الأول : إثبات أحديته تعالى بالصفات الثبوتية ونفي الصفات السلبية عنه تعالى.
الثاني : ردّ مقالة المجسّمة.
الثالث : استحالة رؤيته تعالى بالبصر.
ولم يتعرّض (عليه الرحمة) لإثبات وجوده بالأدلة المحكمة ، ونحن قبل بيان الأمور الثلاثة المتقدمة سنقيم الأدلة على وجود الباري عزوجل إذ لا يخلو ذلك من فائدة ، فهو عزّ اسمه وجلّ شأنه وأمره وإن كان ظاهرا بذاته مظهرا لغيره ، إذ عميت عين لا تراه رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لا تجعله عليها دليلا ، إلا أن هناك نفوسا لم تطهر من دنس المعاصي غابت حقيقته (جلّت عظمته) عن قلوبها ، فالتمسوا الأعذار عليه تعالى يبتغون حقيقة وجوده التي هي عين جوده الذي به ظهر الوجود ، وقدّست ذرّاته الربّ المعبود ، فهو الموجود في كل مكان ، والمعبود بكل لسان ، فلا يسبقه عدم ، ولا يلحقه ندم ، فهو أزليّ سرمدي لا يزول ، وقائم دائم لا يبور.
والدليل على وجوده تعالى يتم بطريقين :
الأول : الإدراك الفطري.
الثاني : الإدراك العقلي.