حينما عصمهم منذ ولادتهم باعتبار علمه عزوجل بهم وأنهم لن يعصوه عند ما يكبرون ، وبطبيعة الحال فإن الكرامات والمعاجز إنما هي نتيجة حتمية للسلوك المستقيم لا أنها إرهاص وتمهيد لنبوة نبي أو رسول ، فما صدر من الأئمة من الكرامات إنما هو نتيجة علوّ قدرهم وعظمة شأنهم وليس تمهيدا لنبوة نبي غير النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لا نبي بعده أبدا.
هذا فيما يتعلّق بالسيدة المباركة مريم ، وأما بالنسبة إلى آصف بن برخيا فيجاب عنه : إنّ ما صدر عنه من كرامات إنما هو للدلالة على وصايته عن النبي سليمان عليهالسلام وأنه الحجة على الأمة من بعده ، فتكون المعجزة حينئذ إظهارا لفضله لا إرهاصا لسليمان عليهالسلام لأنّ نبوة الثاني كانت حاصلة قبل وبعد معاجز آصف. فتأمل.
وكذا ما ورد عن أئمتنا المعصومين عليهمالسلام من معاجز وكرامات إنما هو للدلالة على وصايتهم وإمامتهم وولايتهم من قبل الله تعالى لا لإثبات نبوة رسول الله لأنها كانت ثابتة عند المسلمين جميعا ولم يقع خلاف بين أحد من المسلمين على نبوته عليهالسلام ، وإنما الخلاف على الإمامة والخلافة التي يعتقد الإمامية أنها أمر منه تعالى ولا دخل للناس في تعيين الإمام أو الخليفة ، وحيث إن وظيفة الإمام تماما كوظيفة النبي وجب أن يكون مسددا بالمعاجز للبرهنة على صدق قوله وعظمة شأنه.
استدلال المعتزلة :
استدلّ جمهور المعتزلة على عدم جواز حصول المعجزة على يد غير الأنبياء بوجوه :
الأول :
لو جاز ظهور المعجزة على أيدي غير الأنبياء لجاز ظهورها على أيدي الكثير من الناس مرات متتالية لأنّ الغرض من صدورها على أيدي غير الأنبياء هو سرورهم وإنعاش قلوبهم بالألطاف الإلهية ، وإذا صدرت كثيرا منهم تصير ـ أي هذه الكرامات ـ مبتذلة فلا تكون حينئذ خارقة للعادة فلا تعدّ إعجازا مثاله :
ما لو فرضنا أنّ كثيرين غير عيسى عليهالسلام أمكنهم أن يبرءوا الأبرص والأكمه فلا يعدّ هذا شيئا خارقا للعادة لكثرة حصوله لدى الأفراد فلأجل أن يبقى هذا