ذكر النخلة الناشئة (اللّينة) من باب المثال ، فكل شيء بإذنه تعالى وكذا قوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) (الأعراف / ٥٩) فخروج النبات الطيب والنكد كله بإذن ربه ، ومن هذا التفسير للقضاء والقدر تولّدت شبهة المجبّرة القائلين بأنهم مجبورون على أفعالهم لتعلّقها بالقدرة الإلهية إذ ما يشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وإن كان الإنسان يرى نفسه حرّا في ذلك ظاهرا ، فإنّ هذا مجرد تصوّر أجوف إذ لا يكون شيء من دون إرادته تعالى.
ويجاب عن هذه الشبهة :
أولا : ان الله تعالى حينما خلق الكون جعل فيه سلسلة من العلل الطبيعية وليس كما يتصور الأشاعرة من أنه ليس في عالم الموجودات سوى علة واحدة هي العلة الفاعلة الأولى ، ومن خلال هذه العلة توجد جميع الحوادث والظواهر المتعددة ، لأنّ هكذا تصور مخالف للعقل والفطرة والوجدان وللكتاب والسنّة ، لأنّ الفلسفة حينما تقول بنظام العلل والمعلولات والأسباب والمسببات لتعترف بنوع من التأثير الدخيل لله تعالى في جميع الموجودات الطبيعية.
إضافة إلى أن هذا التصور الخاطئ يقضي إلى التجاسر على ساحة قدسه لاستلزامه القول بأنه سبحانه خلق الأفعال القبيحة وأنه هو المسئول عن كل ظلم وجور فيبطل مبدأ الوعد والوعيد والثواب والعقاب.
ثانيا : يوجد في النظام الكوني نوعان من العلل.
الأول : علل مختارة.
الثاني : علل مضطرة.
أما العلة المختارة : هي علة شاعرة مريدة بيدها حرية الاختيار وهي في عملها حرة مطلقة كالإنسان ، والمؤثر في هذه العلة على المعلول ليس وجود الإنسان وحياته فحسب ، بل وجوده وإرادته واختياره.
أما العلة المضطرة : هي علة غير مختارة كشروق الشمس وغروبها ونمو النبات وذبوله وكذلك نمو الإنسان والحيوان ، فإن ذلك ليس باختياره ، فحركة القلب ليس باختيار الإنسان يوقفه ويحرّكه في أية ساعة شاء. فإذا عرفنا هذا التقسيم الثنائي لنوع العلل في النظام الطبيعي ، حلت لدينا مشكلة الإرادة الأزلية لأفعال العباد ، صحيح أن كل موجود في الحياة لا بد من أن يكون موردا لإرادته تعالى ، وأن الإرادة الأزلية قد تعلّقت بوجود هذه الحوادث في الحياة ، ولكن علينا