القرآنية أو بمن كان قبل البعثة ممن لم يعتقد بوجود إله مدبّر لهذا الكون الفسيح؟!
لذا قال الإمامية : إن السمعيات ألطاف في العقليات ، بمعنى أن الشرع مرشد لا مؤسس لمسألة وجود الخالق العظيم.
إضافة إلى أن الوجوب لو كان شرعيا كما ادّعى الأشاعرة لزم منه إفحام الأنبياء وانقطاعهم عن الجواب ، وحيث إنّ اللازم باطل فالملزوم مثله.
بيان الملازمة :
إذا قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمكلف اتبعني ، يقول : لا أتبعك إلّا بعد أن أعرف صدقك ، ولا أعرف صدقك إلّا بالنظر لأنه ليس ضروريا ، ولا أنظر لأني لم أعرف وجوبه إلّا بقولك ، وقولك ليس حجة ، لأن معنى كونه حجة يتوقف على صدقه فيدور ، فحينئذ تنقطع حجة النبي ، أمّا إذا قلنا بوجوبه عقلا فلا يلزم ذلك المحذور لأنّ المكلّف إذا قال لا يجب عليّ النظر إلّا بقولك ، يقول النبي : يجب عليك عقلا لأنه دافع للخوف المظنون ، وكلما كان دافعا للخوف فهو واجب.
وأما بطلان اللازم فمفاده :
إن الأنبياء عليهمالسلام إنّما أرسلوا حججا على الخلق ، فلا يجوز أن يمكن الله سبحانه المعاند من إلزامهم وإفحامهم ، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم ، وهو كون وجوبه سمعيا فيكون عقليا وهو المطلوب (١).
وتقسّم آيات الكتاب الدالة على تأكد وجوب المعرفة والحث على التدبر إلى عدّة أصناف :
الصنف الأول : في معرفة ما في الطبيعة :
منها قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (آل عمران / ١٩١).
وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) (الأعراف / ١٨٦).
وفي الآيتين دعوة إلى النظر والتفكّر في عالم الملكوت الرحيب ليعلم البشر أن هذا العالم الفسيح وما خلق فيه لآيات تدهش العاقل ، وتزيد من يقينه وإيمانه
__________________
(١) نقد المحصّل : ص ٥٨ ـ نهج المسترشدين : ص ١١١.