بأسباب وشروط.
علاوة لذلك : أن المعلول إذا لم يحتج العلة لزم الخلف (أي عدم كونه معلولا) وهو محال وذلك لأنّ معنى المعلول أنّ جهة ما أوجدته ، ففرض عدم احتياجه للعلة يعني أنه وجد بذاته وهذا خلاف الفرض من كونه معلولا لجهة أخرى ، فبوجود المعلول الذي كان فاقدا للحياة من قبل نستدل على وجود العلة المطلقة وهو ما يعبّر عنه بالبرهان الإني أي الاستدلال بوجود المعلول على وجود العلة ، وقد يعبّر عنه ببرهان دلالة الأثر على وجود المؤثّر.
مفاد البرهان : أن وجود هذا الكون الفسيح بكل ذرّاته ومجرّاته ، جزئياته وكلياته ، دليل وجود موجد له من العدم ، وإلّا فالعدم لا يبدع نفسه ، فالمادة العمياء الصمّاء لا يمكنها أن توجد النور والحياة ؛ من هنا أشار ذاك الرجل البدوي الموحّد حينما سئل عن الدليل على الخالق قال :
[البعرة تدلّ على البعير ، وأثر الأقدام يدل على المسير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، لا يدلّان على العلي القدير؟].
ويفرّع على برهان الأثر ، برهان النظم الدالّ على وجود المنظّم الحكيم لهذا الكون الدقيق إذ لا يمكن للمادة العمياء أن تخلق الإبداع والدقة والإحكام ، ففاقد الكمال كيف يعطيه للآخرين؟!
فببرهان النظم يستدل على وجود الصانع الحكيم البديع.
هذان البرهانان أهم البراهين الفلسفية الدالة على وجود الباري ومن أراد المزيد عليه أن يستزيد من كتب القوم المعدّة لذلك.
انتهينا من بيان الطريقين على إثبات وجوده تعالى ثم نشرع في بيان الأمر الأول من هذا الفصل المتضمن إثبات وجوده تعالى بالصفات الثبوتية ونفي الصفات السلبية عنه تعالى.
تمهيد :
قبل بيان الصفتين [الثبوتية والسلبية] لا بدّ من إيضاح الغاية من ذكر الصفات.
نقول : إنّ غاية ما تقتضيه الأدلة المتقدمة على إثبات وجوده عزوجل هي الإشارة إلى أنه «واجب الوجود» لا وجوب لغيره بل ما عداه رشح من فيضه