حاكمة على كل دين لا يلبّي حاجات أتباعه ومريديه هو ناقص ، وحيث إن الإسلام دين متكامل بقوانينه ودساتيره ونظمه وأحكامه فهو ناسخ لكل الشرائع المتقدمة عليه ، فبحكم هذا كله لا بدّ أن يكون الإسلام حاضرا للجواب عن كل مسألة ، وأن يعطي لكل شبهة حلّا ، ولكل واقعة حكما وإلّا اعتبر ناقصا بحاجة إلى من يكمله فيكون منسوخا لا ناسخا ومحكوما لا حاكما ، ومحتاجا لا غنيا.
وفي هذه النقطة لا بدّ من توضيح أمرين :
الأمر الأول : ماهية الحكم :
إن الحكم هو الاعتبار الشرعي المتعلق بأفعال المكلّفين ، وهو حاجة ملحّة لتعيين الوظيفة السلوكية للفرد والجماعة لئلا ينغمر كليا بمشتهيات الطبيعة ناسيا لذكره تعالى والفوز بلقائه.
وبعبارة : الحكم هو التقنين الصادر منه تعالى لتنظيم حياة البشر ، وقد تنبّه الإنسان إلى نوع تحقق من هذا القبيل في الوظائف المولوية والحقوق الدائرة بين الناس ، فإنّ الموالي والرؤساء إذا أمروا بشيء فكأنما يعقدون التكليف على المأمورين ويقيدونهم به عقدا لا يقبل الحل وتقييدا لا يسعهم معه الانطلاق ، وكذلك مالك سلعة معيّنة أو ذو حقّ معين كأنّ بينه وبين سلعته نوع التئام واتصال بحيث يمنع أن يتخلل غيره بينه وبين سلعته بالتصرف فيها ، فلو نازعه أحد ما عليها ليتملّكها كأنّ يدعيها لنفسه دون صاحبها الأصلي ، فهو بعمله يكون قد استوهن هذا العقد والإحكام لأنّ الحكم لغة العلم والفقه والقضاء بالعدل ، فالحكم يولّد هذه الأمور الثلاثة بحيث يربط المكلّفين المتمسكين به من أن يسترسلوا بمشتهياتهم كيفما كان ، لذا فالحكم منه الحكمة وهي علم يرفع الإنسان عن فعل القبيح مستعار من حكمة اللجام وهي ما أحاط بحنك الدابة يمنعها الخروج.
فبذا يعرف أن الحكم هو قيد يمنع الإنسان من الانفلات والاسترسال في الشهوة ، لذا ترى كل العقلاء يسنّون أحكاما وضعية يقيّدون بها الإطلاق في تصرفاتهم التي ربما تؤدي إلى اختلال في نظم حياتهم ومعاشهم ، لذا لا تخلو أمة من تقييد نفسها بقوانين معيّنة حذرا من الانفلات والاختلال ، لتكون أمة منظّمة العلائق والسنن ، وهذا أمر فطري جرى عليه المخلوق الأرضي ، فالمتدبر بتصرفات بعض الحشرات يرى بوضوح العلاقة الغريزية المستحكمة فيما بينها ،