ومن هذا القبيل تمثل جبرائيل عليهالسلام لمريم ليهب لها غلاما زكيا قال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٧) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٨) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٩) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (٢٠)) (مريم / ١٧ ـ ٢٠).
القول الرابع : إنها نفس النبي وروحه :
إنّ روح النبي هي التي توجد المعجزة عند إرادته لها.
وقد تبنّى هذا القول جماعة من الفلاسفة كابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي (١) ، وصدر المتألهين في كتابه المبدأ والمعاد.
ويستدل عليه بأمرين :
الأمر الأول : قوة الروح الإنسانية :
حيث إن العقل حاكم على أنّ الإنسان كلّما ازداد توجها إلى باطنه وانقطاعا عن الظواهر المادية المحيطة به كلّما تفجّرت القدرات الكامنة في نفسه وتأججت طاقاتها ، وبالعكس كلما ازداد انغماسا في دركات الملذات وإشباع الغرائز كلّما خمدت طاقاتها وانطفأت قدراتها ، وأكبر شاهد على ذلك ما يشاهد عند المرتاضين في بلاد الهند والسند وما يصدر منهم من الأعاجيب التي تدهش العقول ، كل ذلك دليل قاطع على ما يحتوي الإنسان في باطنه من قوى عجيبة لا تظهر إلّا تحت شرائط خاصة.
فالنفس الإنسانية المعبّر عنها ب «أنا» حيث إنها المسيطرة على أعضاء الإنسان فتنقاد لإرادتها وتتحرّك قياما وقعودا بمشيئتها ، كذا هي قادرة على أن تسيطر على ما يحيط به من موجودات خارجيّة تحت ظروف خاصة فتقودها بإرادتها وتخضعها تحت مشيئتها ، وتقدر بمجرّد الإرادة على إبطال مفعول العلل المادية في مقام التأثير وغير ذلك.
قال ابن سينا :
«... قد يبلغك من العارفين أخبار يكاد تأتي بقلب العادة فتبادر إلى
__________________
(١) الإشارات والتنبيهات : ج ٣ ص ٤١٣.