هذه بعض الردود على مسألة الصرفة المزبورة ، ومن أراد المزيد فليراجع المصادر الكلامية عند المسلمين.
وبهذا يتبيّن معنا وهن «الصرفة» بشتى أصنافها ، سواء أكانت بسلب قدرتهم على الإتيان بمثله بعد البعثة ، وإن كانوا قادرين عليه قبلها ، أم بحجب علمهم بنظم كلام مثله ، أم بقطع دواعيهم إلى ذلك ، كل هذا باطل حتى ولو كان القائلون بالصرفة من أعلام الطائفة فإنّ الحق لا يقاس ولا يعرف بالرجال «اعرف الحق تعرف أهله» «أعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا».
الوجه الثاني : علوم القرآن :
إنّ القرآن الكريم كتاب هداية ليس للمسلمين فحسب ، بل لكل من أراد السير إلى السعادة الدنيوية والأخروية ، فهو ليس كتابا مهمته الأبحاث العلمية وذكر القوانين التجريبية أو وضع أسس للإنتاج الثقافي البشري ، فلا يعتبر كتابا علميا محضا ولا خلقيا محضا ، بل هو أعمق من ذلك إذ يحاول أن يضع الإنسان متأملا متفكرا في خلق السماوات والأرض ليكون من الموقنين ، ولتسمو به هذه التأملات إلى عالم التجرّد والفضيلة للوصول إلى الواحد الأحد الفرد الصمد ، لذا ترى في بعض آياته يأتي ببعض الأمثال والقصص تكثيرا للعبرة وتأكيدا للتربية النفسية والروحية ، وهذه الأمثال تتناول الظواهر الكونية أو الأحداث الطبيعية أو زوايا تاريخية ، وهذه الأمثال يؤيدها العلم الحديث بكل اعتزاز وفخر ، ففي القرآن كل ما يريده الإنسان الطالب للحقيقة (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، ففيه من المعارف والعلوم ما يغني عن آلاف الكتب التي تتناول شتّى العلوم والمبادي والنظم ، وهذه المعارف القرآنية باقية فيه لا يحكم عليها النسخ ولا يقضي عليها قانون التحول والتكامل ، لصحة انطباقها على صلاح الإنسان بمرور الدهر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤٢) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٣)) (فصلت / ٤٢ ـ ٤٣).
فكل ما ورد في القرآن من دساتير وقوانين سياسية واقتصادية واجتماعية وعرفانية مبتنية على أساس الفطرة وأصل التوحيد وهنا يكمن سرّ الإعجاز القرآني العظيم.
قال العلّامة الشيخ محمد جواد البلاغي (قدسسره) :
«إنّ إعجاز القرآن لم يكن بمجرّد الفصاحة والبلاغة ، وإن كفى ذلك في