ولا يتبدل بوجه من الوجوه لأنّ علمه مربوط بالأسباب والمسببات وهو عالم بوقوع الأسباب أو عدم وقوعها لأنه قد علم أنّ زيدا مثلا يصل رحمه فيكون عمره كذا ، ويعلم أيضا أنّ زيدا لن يصل رحمه فعمره كذا في اللوح المحفوظ ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الكائنات فهو عالم بمصيرها منذ الأزل وهذا العلم كتبه في اللوح المحفوظ.
وهذا ما ورد في بعض الأخبار لو صحت نسبته من أنه تعالى أمر القلم أن يكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ، وجفّ القلم بما فيه فلن يكتب بعد أبدا.
وقد وردت النصوص على أن لله علمين ، علما علّمه الله ملائكته ورسله ، فما علّمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذّب نفسه. ولا ملائكته ولا رسله ، وعلما مخزونا لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدّم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء.
وقد أجاب علماء الإمامية «رضوان الله تعالى عليهم أجمعين» بالجواب الروتيني حيث حملوا البداء على الأمور الموقوفة على أمره عزّ اسمه ، وقالوا إن الرسل والأئمة عليهمالسلام يعلمون ما في لوح القضاء دون لوح القدر بمعنى أن روح النبي أو الولي تتصل بلوح المحو والإثبات فتقف على المقتضي دون الشرط أو المانع ، فيخبر عن وقوع شيء ما ولكنه لا يتحقق لأجل عدم تحقق شرطه أو عدم وجود مانعه. وبعبارة أن النبي أو الولي عالم بالمقتضي دون الشرط أو المانع ، ويمثّلون على ذلك بما ورد من حديث العروس التي زارها النبي عيسىعليهالسلام. وقال لحوارييه أنها تموت من غد ثم لم تمت لأجل صدقة تصدقت بها العروس في ليلتها (١) ، وما ورد في قصة الحطّاب اليهودي الذي أخبر عنه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سيموت نتيجة عضة الأفعى له ثم لم يمت (٢).
ولكننا نجيب بجواب آخر غير مألوف عندهم به ننزّه الرسل أولي العزم لا سيما نبينا محمد وعترته الطاهرة فنقول :
إنّ النبي والأئمة عليهمالسلام معادن علم الله تعالى ، فعندهم الإحاطة العلمية التامة بقدرة الملك العلّام ، فإذا كان غيرهم من الأنبياء يجهلون ما في لوح القدر
__________________
(١) البحار : ج ٤ ص ٩٤.
(٢) البحار : ج ٤ ص ١٢٢.