لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى عليهالسلام : يا ربّ إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف / ١٤٤) فلما خرّ موسى صعقا قال سبحانه تبت إليك ، يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنك لا ترى ، فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن (١).
إذن فسؤاله الرؤية من باب النقل والحكاية والمماشاة معهم مقدمة للإلزام ، وتوطئة للإفحام حيث قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) كقول إبراهيم عليهالسلام للشمس والقمر : (هذا رَبِّي). وإلّا فالجهل باستحالة الرؤية على الله تعالى فضلا عن اقتضاء طلبها إمكان المطلوب وزعم الجسميّة من الكفر غير لائق بغير الأشاعرة ، فكيف بأولي العزم من الرسل (٢).
ثالثا : طلب الرؤية من باب إضافة السؤال إلى نفسه لغرض عقلائي ، الغاية منه أنه إذا منع هو من الإجابة كان ذلك أحسم لمادة سؤالهم للرؤية.
رابعا :
إن المقصود بالرؤية هي العلم الضروري بالله تعالى الذي لاى يحصل والمرء متجلبب بجلباب المادة والطبيعة ، ولن يحصل له هذا العلم المحض المعبّر عنه بالرؤية واللقاء حتى يلاقي ربّه أو يفنى عن نفسه ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (فصلت / ٥٤ ـ ٥٥).
حيث أثبت سبحانه اللقاء الروحي لا الحسي الذي لا يتأتى هذا الأخير إلّا بمواجهة جسمانية وتعين جهة ومكان وزمان. وقال تعالى حاكيا عن لقائه نبيه الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (النجم / ١٢) وقد نسب الرؤية إلى فؤاد
__________________
(١) تفسير نور الثقلين : ج ٢ ص ٦٤ ح ٢٤٨.
(٢) لاحظ بدقة «المعارف السّلمانية» بتحقيقنا.