والجواب عن هذا التساؤل واضح : لأنّ الهدف من وراء البعث والنشور والحشر يوم القيامة هو إيصال كلّ ممكن إلى الكمال المطلوب ، ونيل الرحمة الإلهية ، وليصل كلّ إنسان إلى الغاية التي يتوخّاها ويطلبها من خلال أعماله الاختيارية واستعداداته الذاتية التي وهبها الله له ، وليحيا تلك الحياة الطيبة في ذلك العالم وهو إنسان متكامل وعار عن كلّ نقص وعيب.
ولكن الإنسان الكافر هو الذي أوصد على نفسه نافذة الرحمة الإلهية من خلال غيّه وعتوه ولجاجته ، ولم يستفد من الهبات والمنح الإلهية التي وهبها الله سبحانه له في هذا العالم ، ومال بنفسه وأعرض عن طريق الحق وخرج من تحت ظلال شجرة الرحمة الإلهية.
وعلى هذا الأساس يكون ـ وبلا ريب ـ يوم القيامة قائماً على أساس الرحمة ، ولكن الكافرين والمعاندين هم الذين مالوا عن مسير الرحمة وجادّتها ، ومسألة القيامة والمعاد نظير مسألة الامتحان ، إذ الغرض والغاية من الامتحان والاختبار إظهار ما في كنه الممتحن من الكمال على نحو لولاه لما ظهرت تلك المواهب والاستعدادات والقدرات من مرحلة القوّة إلى الفعلية ، ولكن الكافر ـ ولأسباب معينة ـ لم يستغل تلك الفرصة ولم يستفد من تلك الإمكانات بالنحو الصحيح ، بل استعمل قدراته الكامنة في جهة الطريق المهلك والمُخسر.
وقد تمّ التركيز في الآية التي ذكرناها على مسألتين هما :
ألف : انّ الحضور والحشر في يوم القيامة فرع من فروع الرحمة الإلهية ، لا مسألة الثواب والعقاب حيث قال سبحانه :
(... لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ...).
وكأنّ الحضور في ذلك اليوم يُعدّ بمنزلة الوثبة والقفزة نحو عالم أكمل وحياة