أفضل ، وإذا كان الكافر قد خسر ذلك الكمال وحرم نفسه من تلك النعمة باختياره وسوء عمله ، فلا يضر ذلك بكون يوم القيامة مظهراً للرحمة الإلهية.
ب : انّ جملة (... الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ...) تعدّ بمنزلة الجواب عن التساؤل الذي طرح ، وعن الاستغراب الذي أُثير وانّه كيف يكون حضور المنافقين والكافرين في العذاب الإلهي والحشر يوم القيامة مظهراً للرحمة الإلهية؟! وكيف يكون الحشر فرعاً من فروع الرحمة الإلهية؟ والحال انّ ذلك اليوم يعدّ بالنسبة إليهم يوم الخسران المبين؟!
لكن الآية تؤكّد انّ خسرانهم وعذابهم وليد طبيعي لأعمالهم المنحرفة (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، وهم الذين حرموا أنفسهم من مائدة الرحمة الإلهية ، وكأنّ الحشر والجمع يوم القيامة بمثابة درس كمال للجميع ، ولكن طائفة من الناس وبسبب أعمالهم وأفعالهم المسبقة حرموا أنفسهم من الاستفادة منه.
ولعلّ الآية التالية ناظرة إلى نفس الفكرة (وهي كون المعاد فرعاً من فروع الرحمة الإلهية) حيث يقول سبحانه :
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١)
انطلقت هذه الآية لإثبات المعاد يوم القيامة وإثبات إحياء الموتى من خلال إمعان النظر في الحياة الدنيا وكيف يحيي الله الأرض بعد موتها ، ولكنّها في نفس الوقت لم تهمل النكتة الثانية وهي أنّه كما أنّ إحياء الأرض بعد موتها يقع في إطار الرحمة الإلهية ويمثل مظهراً من مظاهر رحمته سبحانه ، كذلك يكون الأمر يوم القيامة ، فإنّ إحياء الموتى يُعدّ أحد مظاهر الرحمة الإلهية الواسعة أيضاً ، وذلك لأنّ
__________________
(١). الروم : ٥٠.