والطريق القويم ، وإنّ معرفة هذه العوامل لمن أراد السعادة والتكامل والفوز بالرضوان تكون سبباً للصلاح والفلاح والتكامل ، لأنّه صحيح أنّ تلك العوامل مهلكة وانّها سبب الانحطاط والانحراف لمن استسلم لها وأسلس لها العنان بحريته وإرادته فأهوت به في درك المهالك ، إلّا أنّ نفس تلك العوامل تكون سبباً لنجاة وهداية وتكامل المؤمنين الواعين والمنتبهين إلى خطورة الطريق ووعورة المسلك وتكون سبباً لثبات واستحكام أُسسهم الدينية والأخلاقية.
وذلك لأنّ الإنسان عند ما يدرك انّ له رقيباً وعدواً يرصد حركاته وسكناته ، فلا ريب أنّ هذا الإدراك وهذا الوعي لا يخلو من نفع وفائدة ، لأنّ العدو سيكون السبب في معرفة الإنسان بنقاط الضعف والخلل الموجودة فيه ثمّ السعي لمعالجتها وإصلاحها.
وهكذا الكلام في المجتمع فإنّ المجتمع الذي تنتفي فيه الرقابة والمنافسة الشريفة ، والمعقولة ، فإنّه سيصاب لا محالة بحالة من الركود والخمول والتراجع إلى الوراء ثمّ تكون عاقبة ذلك كلّه الاندثار والإبادة.
إنّ «الشيطان» هو العدو اللدود للإنسان ، وإنّ هذا العدو الذي أقسم على غواية الإنسان وإضلاله (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١) فهذا العدو الخطير ـ نفسه ـ يُعدّ سبباً لتكامل عباد الله المخلصين الذين عرفوه وأدركوا خططه ومكره وحبائله ، وصمّموا على مواجهته وإفشال وإحباط جميع خططه وتمزيق جميع مصائده وتقطيع حبائله. وذلك لأنّ الإنسان عند ما يدرك أنّ هناك عدواً خفياً يتحيّن الفرص للانقضاض عليه وإلقائه في الهلكة ، حينئذٍ يبقى هذا الإنسان يقظاً منتبهاً يرصد ما حوله ويحاول الاستفادة
__________________
(١). ص : ٨٢ ـ ٨٣.