وما ذكروه من لزوم المحال الثالث : فإنما يلزم أن لو كان المأمور والمنهى مرادا ؛ وليس كذلك ؛ بل المأمور الّذي علم وقوعه ، والمنهى الّذي علم الانتهاء عنه ؛ هو المراد.
وأما ما علم أنه لا يوجد ؛ فهو غير مراد الوجود وإن كان مأمورا به.
وما علم وجوده ؛ فليس بمراد الانتفاء ، وإن كان منهيا عنه ، وسنبين في مسألة الكلام أنه لا ملازمة بين الأمر ، وإرادة الامتثال ، ولا بين النهى ، وإرادة الانتهاء.
وعلى هذا فلا يلزم من الأمر بالوجود ، وإرادة العدم ما ذكروه من التناقض ، وليس ثمرة الأمر الامتثال ؛ بل من الجائز أن يكون له ثمرة أخرى ؛ فلا يكون عبثا ، ولا متناقضا.
ولهذا قال بعض الأصحاب : أنه لو علم الله ـ تعالى ـ من أحد من الأمة : أنه لو كلف بخصلة من خصال الخير ؛ لم يأت بها ، ولو ضوعفت عليه لأتى (١) بها ؛ فإن (١) أمره بالضعف يكون مفيدا. وإن لم يكن ذلك مرادا. وذلك على نحو أمر النبي ـ عليهالسلام ـ ليلة المعراج بالصلوات. هذا كله إن قيل / برعاية الحكمة والمصلحة في أفعال الله ـ تعالى ـ ، وإلا فلا حاجة إلى هذا التكليف.
قولهم : إنه يفضى إلى التكليف (٢) بما لا يطاق (٢) ؛ مسلم. وسيأتى تحقيقه فيما بعد (٣).
وأما ما ذكروه من الظواهر ، فمما لا نسوغ التمسك بها في مسائل الأصول ؛ إذ هى مع ما يقابلها من ظواهر أخر ممكنة التأويل جائزة التخصيص ؛ والمقطوع لا يستفاد من المظنون.
كيف : وأن القول بموجب أكثرها متجه هاهنا. فإنا لا نقول إن إرادته ، ورضاه ، ومحبته ، مما يتعلق بالمعاصي على اختلاف أصنافها من حيث هى شرور ، ومعاصى ، وفساد ؛ فإنها من هذه الجهات أمور إضافية لأدوات حقيقية ، والإرادة : إنما تتعلق بالمعاصي من حيث هى أفعال حادثة ؛ لا من تلك الجهات.
__________________
(١) فى ب (لا يأتى بها فإذا).
(٢) فى ب (تكليف ما لا يطاق).
(٣) انظر ل ١٩٤ / أوما بعدها.