القسم الثالث
في العلم الكسبى (١)
والعلم المكتسب : هو العلم المقدور بالقدرة الحادثة.
وقد اختلف أصحابنا في جواز وقوع العلم المكتسب من غير نظر ، واستدلال. فجوّزه قوم ـ وإن كانت العادة على خلافه ـ كالأستاذ أبى إسحاق (٢) ومنع منه آخرون.
وعلى هذا فمن لم يجوّز انفكاك العلم المكتسب عن النّظر ؛ فحدّ المكتسب عنده مطّرد في العلم النظرى ؛ فكل علم مكتسب عنده نظرى ؛ وكل نظرى مكتسب.
ومن جوّز الانفكاك : لم يطرّد / حدّ المكتسب عنده في النّظرى ؛ فإن اطّرد حدّ النظرى في المكتسب ؛ فكلّ نظرى مكتسب ، وليس كل مكتسب نظريا.
وعلى هذا فقد اختلف أرباب هذا (٣) المذهب في العبارات (٣) الدّالة على العلم النّظرى.
فمنهم من قال : هو العلم الواقع عقيب النّظر الصّحيح.
ومنهم من قال : ما يوجبه النّظر الصحيح.
ومنهم من قال : هو الواقع عن النظر الصّحيح.
ومنهم من قال : هو المقدور المنظور فيه نظرا صحيحا.
ومنهم من قال : ما يتضمنه النّظر الصّحيح (٤).
والعبارة الأولى : مدخولة بما يقع من العلوم الضّرورية عقيب النّظر الصّحيح : كالعلم بما يحدث من الألم ، واللّذة ، والفرح ، والغم ونحوه ؛ فإنه ليس نظريا مع وجود الحدّ.
__________________
(١) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٨ ، ٩ والمغنى للقاضى عبد الجبار ج ١٢ ص ٥٩ ـ ٦٨ ، وشرح الأصول الخمسة ص ٥٢ وما بعدها ، والإرشاد لإمام الحرمين ص ١٣ ـ ١٥ والشامل له أيضا ص ١١١ ـ ١١٤ وشرح المواقف للجرجانى ص ٣٨ وشرح المقاصد للتفتازانى ص ١٥.
(٢) الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأسفرايينى الفقيه الشافعى ، المتكلم ، الأصولى ، الملقب بركن الدين ، من أئمة المذهب الأشعرى. نشأ في أسفراين ، وانتقل إلى نيسابور ، وتوفى بها سنة ٤١٨ ه. (وفيات الأعيان ١ / ٨ ، طبقات السبكى ٣ / ١١ ، معجم المؤلفين ١ / ٨٣).
(٣) فى ب (هذه المذاهب والعبارات).
(٤) القائل هو القاضى الباقلانى : انظر التمهيد ص ٣٦ والإنصاف ص ١٤ وانظر الإحكام للآمدى ١ / ١٠ ومنتهى السئول له أيضا ١ / ٥.