الفصل الثانى
في بيان وقوع الرؤية في الآخرة للمؤمنين
وقد احتج بعضهم (١) على ذلك بمسلك ضعيف ، وهو أن قال : الأمة في هذه المسألة على قولين :
فمنهم من قال : بجواز الرؤية ، ووقوعها في القيامة للمؤمنين.
ومنهم : من نفى الأمرين. وقد ثبت بالدليل جواز الرؤية ؛ فيلزم منه وقوع الرؤية ، وإلا كان القول بالجواز ، وامتناع (٢) وقوع الرؤية (٢) ، قولا ثالثا خارقا للإجماع ؛ وهو باطل.
وهو غير صحيح ؛ فإن خرق الإجماع إنما يكون بالقول بإثبات ما اتفق الإجماع على نفيه ، أو نفى ما اتفق الإجماع على إثباته ؛ وذلك غير متحقق فيما نحن فيه.
فإن القول الثالث : إنما هو التفصيل ، ولا معنى له غير القول بالجواز ، والقول بانتفاء الوقوع. والقول بالجواز ليس على خلاف قول الإجماع ؛ إذ فيه موافقة مذهب من قال به ، والقول بانتفاء الوقوع ليس خارقا للإجماع ؛ بل فيه موافقة مذهب القائل به ؛ ففى كل طرف قد وافق مذهب ذى مذهب ، لا أنه خارق للإجماع.
وهذا كما أن القائل في مسألة المسلم بالذمى ، والحر بالعبد قائلان. فقائل بجريان القصاص فيهما ، وقائل بنفيه فيهما. ومن صار إلى جواز قتل المسلم بالذمى ، لقيام دليله في نظره ، لا يلزمه أن يقول بذلك في الحر بالعبد ، من غير دليل ، ولا يكون بذلك خارقا للإجماع ، ولا ممنوعا منه بالإجماع.
والمعتمد في ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣)
__________________
(١) هو الإمام الرازى انظر المحصل ص ٤٤١ وما بعدها ، وشرح المواقف ٢ / ٣٧٣.
(٢) فى ب (مع امتناع الوقوع).
(٣) سورة القيامة ٧٥ / ٢٢ ، ٢٣. وهذه الآية الكريمة التى أوردها الآمدي هنا على أنها الدليل المعتمد على وقوع الرؤية في الآخرة للمؤمنين ؛ أوردها القاضى عبد الجبار المعتزلى في المغنى على أن الاستدلال بها من شبه الخصوم ، ووجه الآية توجيها يتفق مع مذهبه انظر المغنى ٤ / ١٩٧ ـ ٢١٧ ، وانظر الأصول الخمسة ص ٢٤٢ ـ ٢٤٨ والمحيط بالتكليف ص ٢١٢ ، ٢١٣.