الحجة الثالثة : أن طريق معرفة واجب الوجود ، إنما هو وجود الممكنات ، ووجوب إسنادها إلى موجود واجب ؛ قطعا للتسلسل ، والدور ، وليس في ذلك ما يدل على كنه حقيقته ، ومعرفة ماهيته ، وكل ما ندركه منه بعد ذلك ؛ فلا يخرج عن الصفات الخارجة عن الذات : كصفات النفس من العلم ، والقدرة ، ونحوه.
أو الصفات الإضافية : ككونه خالقا ، ومبدأ ، ونحوه. أو الصفات السلبية ، ككونه ليس بجوهر ، ولا جسم ، ولا عرض ، ونحوه. وكل ذلك لا يدل على كنه الحقيقة ؛ فكانت غير / معلومة.
الحجة الرابعة : قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١).
وأما القائلون بكونها معلومة ؛ فقد احتجوا بأن قالوا :
لا خفاء بجواز الحكم على ذاته بإثبات صفات الكمال ، وسلب صفات النقص ؛ وهذا الحكم فرع تصور المحكوم عليه ؛ فإن ما لا يكون متصورا في العقل لا يكون مصدقا بإثبات حكم له ، أو سلبه عنه.
وعلى هذا : فمن قال إن ذاته غير معلومة ؛ يلزمه من هذا الحكم التصديقى أن تكون ذاته معلومة.
ثم اعترضوا على حجج المذهب الأول :
أما الحجة الأولى : فإنها منقوضة بتعلق العلم بوجوده ؛ فإنه غير متناه. وسواء قلنا هو نفس الذات ، أو زائد عليها. ومع ذلك لم يمنع من تعلق العلم به ، وكذلك سائر صفاته النفسانية ؛ عند المعترف بها.
وأما الحجة الثانية : فقالوا : لا نسلم أن كل ما نعلمه منه غير مانع من وقوع الاشتراك فيه ؛ فإن وجوده معلوم بموافقة الخصم هاهنا ، وبالدليل على ما سبق ؛ وهو مانع من وقوع الاشتراك فيه ، كما سلف في النوع الأول.
وأما الحجة الثالثة : فحاصلها يرجع إلى إبطال مدرك من المدارك.
وليس في ذلك ما يدل على إبطال كل مدرك ، ونفى باقى المدارك بعدم الاطلاع عليها مع البحث عنها ؛ غير يقينى ، كما سبق.
__________________
(١) سورة طه ٢٠ / ١١٠.