قولهم : لو كانت قديمة ؛ لتعلقت بجميع الجائزات.
قلنا : إن أرادوا بذلك : أنها يجب أن تكون مخصصة لكل جائز ؛ فليس كذلك ؛ إذ ليست حقيقة الإرادة التخصيص لكل جائز ؛ بل ما من شأنها أن تخصص بعض الجائزات دون البعض.
ولو لا ذلك للزم وقوع كل جائز ؛ وليس كذلك.
وإن أرادوا بذلك أنها يجب أن تكون مخصصة لكل جائز كائن / ، أو كان ، أو سيكون ؛ فهو حق على ما سيأتى تحقيقه في مسألة (١) خلق الأعمال (١).
وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من المحال الأول. كيف وأن اجتماع الوجود ، والعدم في شيء واحد ، والحركة والسكون ، وكذا كل متقابلين ؛ غير جائز ؛ بل مستحيل ؛ فلا يكون متعلق القدرة والإرادة.
قولهم : العالم مشتمل على خيرات ، وشرور.
قلنا : مراد الله ـ تعالى ـ من حيث هو مراد له ـ ليس بشر ؛ فإن تعلق الإرادة به إنما هو من جهة تخصيصه بالوجود دون العدم ، أو العدم ، دون الوجود ، أو ببعض الأحوال الجائزة دون البعض ؛ وذلك مما لا يوصف بكونه شرا ، من حيث هو كذلك ؛ فإن الشر ليس وصفا ذاتيا ؛ لما وصف بكونه شرا ، ولا له وجود في نفسه ؛ بل هو أمر نسبى ، ومعنى إضافى ؛ كما يأتى تحقيقه في مسألة التحسين ، والتقبيح (٢). وذلك لا يمنع من تعلق الإرادة القديمة بالمراد الموصوف به ، ولو كان ذلك مانعا من كونه مرادا ؛ لما كان ما يجرى في العالم من الخسف ، والزلازل ، والأمراض المؤلمة ؛ والآفات العامة ؛ مرادا لله ـ تعالى ـ ؛ لكونه موصوفا بالشر ؛ ولم يقولوا به.
كيف وأن مستندهم في إطلاق اسم الشرير على مريد الشر في حق الغائب ، ليس غير الشاهد.
وهو فاسد على ما حققناه في مسألة القدرة (٣).
__________________
(١) فى ب (أن لا مخصص لجميع الجائزات إلا الله ـ تعالى ـ).
انظر ل ٢٨١ / ب وما بعدها.
(٢) انظر ل ١٧٤ / ب وما بعدها.
(٣) انظر ل ٦٢ / ب وما بعدها.