على أننا نقرر قاعدة في معنى المحبة ، والرضا ، والإرادة ؛ يمكن التوصل منها إلى تأويل كل ما يرد من هذا القبيل فنقول : أما المحبوب ، والمرضى في حق الله ـ تعالى ـ فمعناه : أنه ممدوح عليه في العاجل ، ومثاب في الآجل. والمسخوط في مقابلته.
فعلى هذا معنى قوله ـ تعالى ـ (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) (١) وقوله : (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (٢) ، وقوله (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٣) أنه غير ممدوح عليه في العاجل ، ولا مثاب عليه في الآجل.
وهكذا تأويل كل ما يرد من هذا القبيل.
وقد يمكن حمل قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) على المؤمنين من عباده ، ويكون اختصاصهم بلفظ العباد تشريفا ، وتكريما (٤) لهم (٤) كما في قوله ـ تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٥) والمراد به المؤمنون.
وأما الإرادة : فإنها قد تتعلق بالتكليف من الأمر ، والنهى ، وقد تتعلق بالمكلف به ؛ أى بإيجاده ، أو إعدامه ، فإذا قيل : إن الشيء مراد : قد يراد به : أن التكليف به ؛ هو المراد ، لا عينه وذاته. وقد يراد به : أنه في نفسه مراد ؛ أى إيجاده ، أو إعدامه. فعلى هذا ما وصف بكونه مرادا ، ولا وقوع له ؛ فليس المراد به إلا إرادة التكليف به فقط.
وما قيل إنه غير مراد ؛ وهو واقع ؛ فليس المراد به ؛ إلا أنه لم يرد التكليف به فقط.
ومن حقق هذه القاعدة أمكنه التقصى عن قوله ـ تعالى ـ (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (٦) بأن يقول : المراد به : إنما هو نفى الإرادة بالتكليف به ، [لا نفى] (٧) إرادة حدوثه. وكذا قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٨) معناه : الأمر باليسر ، ونفيه عن العسر.
__________________
(١) سورة النساء ٤ / ١٤٨.
(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٠٥.
(٣) سورة الزمر ٣٩ / ٧.
(٤) فى ب (لهم وتكريما).
(٥) سورة الإنسان ٧٦ / ٦.
(٦) سورة غافر ٤٠ / ٣١.
(٧) فى (أ) (لأنه نفى).
(٨) سورة البقرة ٢ / ١٨٥.