وإذا اختلف المفهومان ؛ فقد تحقق الفصل بين (١) الخلق ، والأمر (١) ، وامتنع أن يكون الحاصل من الآية ألا له الخلق ، والخلق. وإن قدر اتحاد المفهومين ؛ فالعطف غير ممتنع نظرا إلى الاختلاف في اللفظ ، ومنه قول العبسى :
حيّيت من طلل تقادم عهده |
|
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم (٢) |
وأقوى وأقفر بمعنى واحد
المسلك الثالث : (٣)
قولهم : العقل الصريح يقضى بتجويز تردد الخلق بين الأمر ، والنهى ، ووقوعهم تحت التكليف ، فما وقع به التكليف من الأمر ، والنهى : إما قديم ، أو حادث.
فإن كان قديما : فهو المطلوب.
وإن كان حادثا : فكل صفة حادثة لا بد وأن تستند إلى صفة قديمة للرب ـ تعالى ـ قطعا للتسلسل.
وإذ كان كذلك ؛ وجب أن يستند تكليفهم إلى أمر ، ونهى ، هو صفة قديمة للرب ـ تعالى ـ وهذا أيضا مما يمتنع التمسك به ؛ فإن الخصم وإن سلم إمكان تردد الخلق بين الأمر ، والنهى ؛ فما المانع من أن يكون ذلك الأمر ، والنهى حادثا قائما لا في ذات الله ـ صفة قديمة : هى أمر ، ونهى. حتى لا يكون أمرا حادثا ، إلا عن أمر قديم ، ولا نهيا حادثا ، إلا عن نهى قديم ؛ فإن افتقار الجائز في الوجود لا يدل إلا على شيء قديم يجب الانتهاء إليه ، والوقوف عليه ؛ وهو أهم من كون ذلك الشيء القديم أمرا ، أو نهيا.
كيف : وأنه لو لزم / ذلك ؛ لكان البارى ـ تعالى ـ متصفا بمثل كل ما يوجد في عالم الكون ، والفساد من الكائنات المخلوقة لله ـ تعالى ؛ وهو ممتنع.
__________________
(١) فى ب (بينهما).
(٢) انظر ديوان عنتر بن شداد ص ١٤٣ البيت الثامن من المعلقة تحقيق عبد المنع شلبى نشر المكتبة التجارية الكبرى.
(٣) هذا المسلك ذكره الآمدي في غاية المرام ص ٨٩ ، ٩٠ وناقشه بمثل ما ذكر هنا وقد أورده الغزالى في الاقتصاد والشهرستانى في نهاية الأقدام ص ٢٦٨ ، ٢٦٩.