الصفة العاشرة : «النزول» (١)
وقد ورد في الصحاح المنقولة عن الثقات عن النبي عليهالسلام أنه قال : «إن الله ـ تعالى ـ ينزل إلى السماء الدّنيا في كلّ ليلة ، وفي رواية : فى كلّ ليلة جمعة ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» (٢) وظاهر لفظ النزول ، للانتقال ، والحركة من جهة العلوّ ، إلى جهة السفل.
فمن حمله على ذلك في حق الله ـ تعالى ـ من المشبهة ؛ فقد أوجب كون البارى ـ تعالى ـ متحيزا ؛ لانتقاله في الأحياز ، وتبدّلها عليه ؛ وهو محال ، كما يأتى.
ولما تعذر حمله على ما هو ظاهر فيه ، اختلف الأئمة.
فذهب بعض السلف : إلى حمل النزول في حق الله ـ تعالى ـ على نزول لا كنزولنا من غير حركة وانتقال. وهو وإن كان ممكنا في نفس الأمر ، غير أنه لا يدل عليه قاطع ، ولا لفظ النزول في الخبر يحتمله على ما سبق ؛ فتعين التأويل بما يحتمله لفظ النزول ؛ وهو حمل النزول على معنى اللطف والرحمة ، وترك ما يليق بعلو الرتبة وعظم الشأن ، والاستغناء الكامل / المطلق.
ولهذا يقال : نزل الملك مع فلان إلى أدنى الدرجات ؛ عند لطفه به ، وانبساطه في حضرة مملكته. وفائدة ذلك الانبساط الخلق على التقرب بالعبادات ، وإلا فلو نظر إلى ما يليق بمملكته ، وعلو (٣) شأنه ، وعظمته ؛ لما وقع التجاسر من العبيد على (٤) خدمته (٤) ، والوقوف بين يديه في طاعته ؛ فإن العباد (و) (٥) عباداتهم من صومهم ، وصلاتهم بالنسبة
__________________
(١) انظر الشامل لإمام الحرمين ص ٥٥٧ وإلجام العوام عن علم الكلام ص ٦٥ ضمن مجموعة القصور العوالى وأساس التقديس للرازى ص ١٠١ ، ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ١٣٧ ، ١٤٢.
(٢) هذا الحديث أورده الآمدي أيضا في غاية المرام ص ١٣٧ ، كما ذكره كثير من أئمة المذهب في كتبهم ، وأولوه تأويلات عدة ، وقد ذكره ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص ١٥ وقال : انه متفق عليه.
وقد ورد هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ في كثير من الصحاح فقد ورد في صحيح البخارى عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ (كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل) ٢ / ٦٣ ، وصحيح مسلم ١ / ٥٢١ ـ ٥٢٢ (كتاب المستغفرين ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه).
كما ورد هذا الحديث أيضا في سنن أبى داود وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد.
(٣) فى ب (وعظم).
(٤) فى ب (لخدمته).
(٥) ساقط من أ.