مكانته العلمية ، وآراء العلماء فيه
تتحدّد مكانة الإنسان في أمته ومجتمعه ، بمقدار ما يقدمه من أعمال ، وبمدى الأثر الّذي يتركه سواء في حياته ، أو بعد مماته. وفي الناحية العلمية على وجه الخصوص تقاس مكانته بالآثار العلمية : سواء أكانت مؤلفات ، أم تلاميذ.
والآمدي من هذه الناحية قد بلغ الغاية ؛ فقد ترك خمسة وعشرين مؤلفا في فنون مختلفة (١) ، وقد بلغ بعضها الغاية في كثير من الفنون ؛ كالكلام ، والأصول ، والفلسفة ، والمنطق ، والجدل. وقد قامت حول بعضها عشرات المختصرات ، والشروح في حياته ، وبعد مماته ، وما زالت لكتبه نفس المكانة التى حظيت بها في حياته.
أما تلاميذه : فقد كانوا بحق أئمة عصرهم في كثير من الفنون ، كما تخرج على أيديهم عشرات الأعلام ممن أصبحوا أئمة لعصورهم في كثير من الفنون كما سبق.
وقد اعترف بإمامته لعلماء عصره أصدقاؤه وخصومه على حد سواء ؛ فيتّفق معظمهم على أن الآمدي كان شيخا للمتكلمين في عصره ، ولم يوجد له نظير في العلوم العقلية. وقد أوصله إلى هذه المكانة جدّ لا يعرف الكلل ، وانصراف إلى العلم والدراسة ، شغله عن كل شيء حتى عن نفسه أحيانا ، وذكاء دفع بعض مؤرخيه إلى أن يعدّه أذكى أذكياء أهل زمانه.
يقول عنه تلميذه شمس الدين بن خلكان : «ما عسى أن يقال في أعجوبة الدهر ، وإمام العصر ، وقد ملأت تصانيفه الأسماع ، ووقع على تقدّمه وفضله الإجماع ، إمام علم الكلام ، ومن أقر له فيه الخاص ، والعام. صاحب المصنفات المشهورة ، والتعاليق المذكورة. من أكبر جهابذة الإسلام ، ومن يرجع لأقواله في الحل والإبرام ، والحلال والحرام» ، ثم يصفه فيقول : «كان خير الطباع ، سليم القلب ، حسن الاعتقاد ، قليل التعصب».
ويقول تلميذه أبو المظفر سبط ابن الجوزى : «لم يكن في زمانه من يحاذيه في علم الكلام ، والأصول ، وكان سريع الدمعة ، رقيق القلب (٢)».
__________________
(١) الوافى بالوفيات للصفدى ٢١ / ٣٤٠.
(٢) مرآة الزمان لسبط ابن الجوزى ٤ / ٧٣.