فإن قيل : الاستدلال بالإجماع فرع تصوره ، وكونه حجة ؛ وهما ممنوعان على ما سبق في قاعدة النظر (١).
سلمنا أن الإجماع حجة ؛ لكن في القطعيات ، أو الظنيات.
الأول : ممنوع. والثانى : مسلم.
وذلك لأن مستند كونه حجة لا يخرج عن الظواهر الخبرية والأمور الظنية ، وما نحن فيه من القطعيات ؛ فلا يكون حجة فيه.
سلمنا أنه حجة في القطعيات ؛ ولكن فيما يتوقف عليه كون الإجماع حجة ، أو في غيره. الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.
وذلك لأن الاحتجاج بالإجماع على ما لا يثبت كون الإجماع حجة إلا به. يكون دورا ممتنعا ؛ أو ما هو مدلول الإجماع. إنما هو كلام الله ، والإجماع ؛ فلا يتم كونه حجة إلا به ؛ لأن كون الإجماع حجة إنما هو بالسمع ، والسمع مستند إلى قول الرسول ، وصدق الرسول في دعواه أنه رسول متوقف على إثبات كلام الله ـ تعالى ـ على ما ذكرتموه ؛ فيكون دورا.
سلمنا صحة الاحتجاج بالإجماع مطلقا ؛ ولكن لا نسلم وجود الإجماع فيما نحن فيه.
قولكم : أجمعت الملل على أن الله ـ تعالى ـ متكلم بكلام.
فنقول : أجمعوا على إطلاق ذلك لفظا ، أو معنى ـ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
ولهذا قال بعضهم : كلام الله ـ تعالى ـ حروف ، وأصوات.
وقال بعضهم : هو مدلول الحروف ، والأصوات القائم بالنفس.
فإذن ما اتفقوا عليه من الإطلاق لفظا ، لا يدل على الكلام النفسانى ، وما لم يتفقوا عليه ؛ لا يكون ثابتا بالإجماع.
__________________
(١) انظر ل ٢٥ / أوما بعدها.