ثالثا : رحلاته العلمية (١)
أ ـ رحلته إلى بغداد [٥٦٥ ه ـ ٥٨٢ ه]
١١٦٩ م ـ ١١٨٦ م
قضى الآمدي معظم حياته رحالة في طلب العلم ؛ فقد امتدّت رحلاته العلمية إلى أكثر من ستة وستين سنة. قضاها كلّها طالبا للعلم ، وأستاذا ومؤلّفا ، وقد بدأ رحلاته في سن مبكرة ، وكانت رحلته الأولى إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية التى كانت تعانى من الضعف ، وتسلّط أمراء الأقاليم ، ولم يبق للخليفة فيها نفوذ أو سلطان حقيقى ؛ ولكنها مع ذلك كانت تحاول في عناد الحفاظ على ما لها من مجد علمى ، ونفوذ أدبى.
وقد هبط الفتى إلى بغداد في خلافة المستنجد بالله والوزير بها يومئذ ابن هبيرة (٢) ؛ وقد رجّحت أن ذلك كان سنة ٥٦٥ ه ؛ لأنّ الخليفة توفى في ربيع الآخر سنة ٥٦٦ بينما توفى وزيره في حياته ، وقبله بأشهر.
وأيا كانت السنة التى دخل فيها بغداد ؛ فقد دخلها الفتى ، وقضى بها المرحلة الأولى من حياته ، والتقى فيها بمعظم شيوخه الذين حفظ التاريخ لنا أسماء بعضهم.
وفي هذه البيئة العلمية الخصبة ، ألمّ الآمدي بجوانب الثقافة الإسلامية المختلفة دينية ، وغير دينية ؛ حيث قضى بها ما يقرب من سبع عشرة سنة نضجت فيها شخصيته العلمية ، وتحدد اتجاهه الفكرى الّذي كان سببا في تأليب كثير من المتعصبين عليه ، مما أدى في النهاية إلى مغادرته بغداد.
ب ـ رحلته إلى الشام (الفترة الأولى) [٥٨٢ ه ـ ٥٩٢ ه]
١١٨٦ م ـ ١١٩٦ م
ذهب الآمدي إلى الشام ليستكمل دراسته بها بعد أن ضاقت به بغداد ، وضاق بها (كما سيأتى) يقول ابن خلكان : «ثم انتقل إلى الشام ، واشتغل بفنون المعقول ، وحفظ منه الكثير ، وتميّز فيه ، وحصّل منه شيئا كثيرا ، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه
__________________
(١) تحدثت في الدراسة عن رحلاته العلمية بالتفصيل من ص ٥١ ـ ٧٩.
(٢) مفرج الكروب في أخبار بنى أيوب لابن واصل ٥ / ٣٦.