وقد احتج المثبتون لجواز الرؤية بحجج عقلية ، وسمعية.
أما الحجج العقلية فأربع :
الحجة الأولى : وهى معتمد القاضى أبى بكر (١) ، وأكثر الأئمة.
وها نحن نذكرها بزيادة تحرير ، وتقرير ؛ فنقول : قد بينا في المقدمة أن الأجسام والألوان مرئية ؛ فالأجسام ، والألوان مشتركة في صحة تعلق الرؤية بها ، وصحة تعلق الرؤية بها يستدعى مصححا.
وإنما قلنا ذلك ؛ لأنه لو كانت الأجسام معدومة ؛ لاستحال أن تكون مرئية ، ومدركة بالاتفاق منا ، ومن المعتزلة ، ومن كل محصل ؛ فحيث استحال تعلق الرؤية بها حال عدمها ، وصح مع وجودها ؛ لزم أن يكون ذلك المخصص ، وإلا لعم الحكم نفيا ، أو إثباتا ؛ وذلك المخصص هو المعنى بالمصحح.
ولا يخفى أن بين الأجسام والألوان اتفاقا ، وافتراقا ؛ فالمصحح : إما أن يكون ما به الاتفاق ، / أو ما به الافتراق ، أو مجموع الأمرين.
لا جائز أن يكون المصحح [للرؤية (٢)] ما به الافتراق ، أو ما به الاتفاق والافتراق معا ؛ وإلا كان الحكم الواحد المشترك بين المختلفات ؛ معللا بعلل مختلفة ؛ وهو محال.
وذلك لأن كل واحدة من العلتين : إما أن تستقل بالتصحيح ، أو إحداهما دون الأخرى ، أو أنه لا استقلال لكل واحدة منهما.
فإن كان الأول : فلا معنى لكون العلة مستقلة بالتصحيح إلا أنها هى المصححة دون غيرها ، فإذا قيل كل واحدة مستقلة بالتصحيح ؛ لزم منه عدم استقلال كل واحدة منهما.
__________________
(١) قارن ما أورده الآمدي هنا بما أورده في غاية المرام ل ٦٥ / أوانظر ما أورده الشهرستانى في نهاية الأقدام ص ٣٥٧ ، ٣٥٨ حيث يذكر هذه الحجة مقدما لها بقوله : قالت الأشعرية : ثم يفصل القول فيها. ثم يخلص في النهاية إلى عدم الثقة بالأدلة العقلية في هذه المسألة قائلا : (واعلم أن هذه المسألة سمعية أما وجوب الرؤية ، فلا شك في كونها سمعية. وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلى ما ذكرناه ، وقد وردت عليه تلك الإشكالات ...
فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضا مسألة سمعية). نهاية الأقدام ص ٣٦٩.
(٢) ساقط من أ.