وفيه نظر ، لأنّ الوهم يعارض العقل في كثير من أحكامه ، حتى أنّ النفس تعجز عن التمييز بينهما في أكثر القضايا ، ويفتقر إلى تعب شديد في إسناد الحكم إلى العقل أو إلى الوهم. وأعظم ما يتمسك به في التمييز بينهما استمرار الحكم عند حصول المبادئ التي له ولضده فيكون عقليا ، وانقطاعه عند حصول المبادئ التي للعقل فيكون وهميا. ولمّا دلّ العقل على تناهي الأبعاد بمقدمات ساعده الوهم على تسليمها ونكص (١) الوهم عن النتيجة لتوهم ضدّها ، حكمنا بالعقل على أنّ خارج العالم عدم صرف لا بعد أما بين الجدارين وشبهه فإنّ البعد ثابت فيه لقبوله التقدير والمساواة والمفاوتة ، فإنّ القطر (٢) الآخذ من الزاوية العليا في البيت إلى مقابلها من أسفل زائد على كلّ ضلع من أضلاع البيت بالضرورة ، سواء توهم جسم حالّ فيه أو لا.
وأيضا نعلم بالضرورة : أنّا لو ملأناه بذراع مثلا حكمنا بمطابقة الذراع لشيء وليس المطابق أمرا عدميا ، لعدم المطابقة بين الوجودي والعدمي ، فهو لأمر ثبوتي هو البعد المجرد.
بل الجواب هنا أن نقول : لا نسلّم أنّ كلّ بعد في مادة ، والملاء إنّما هو البعد المادي لا مطلق البعد.
وعن الثاني : أنّ الشكل حصل للخلاء بواسطة ما يحويه (٣) ، كما يحصل للهواء والماء المحبوسين. على أنّا نمنع ثبوت الشكل لكل بعد ، سواء كان مجرّدا أو ماديا ، بل إنّما يثبت الشكل للبعد المادي ، لأنّه تابع للصورة. بل ونمنع كون الخلاء وجوديا ، كما ذهب إليه بعضهم ، فلا يكون له شكل.
__________________
(١) كذا في النسخ.
(٣) كذا في النسخ.
(٢) ج : «النظر» ، وهو خطأ.