النفخ فيه ، لأنّا متى غمسناها منكوسة والإصبع على فمها ، ثمّ رفعنا الإصبع يتبقبق (١) الماء، ولو لم ينفخ فيها لم يتبقبق ، فهذا الهواء الذي أدخلناه إن كان قد دخل في خلاء لم يخرج عن القارورة في الماء ولم يتبقبق ، فلما خرج علمنا أنّها كانت مملوءة ، وأنّا لما أدخلنا الهواء الجديد فيها تكاثف الهواء الذي كان فيها قسرا ، حتى حصل للداخل بالقسر مكان ، فلما زال القاسر خرج الهواء الجديد ، وعاد الهواء الأوّل إلى مقداره الطبيعي.
والجواب : أنّه لا يدلّ على نفي الخلاء لجواز أن يكون في الإناء قبل المصّ من الهواء شيء كثير بحيث يمانع دخول الماء فيه ، للتعاند الواقع بين العناصر ، وإن كان فيه أجزاء خالية ، وبعد المصّ يخرج من الهواء أكثره ، فلا يبقى للماء مانع من الدخول فيه ، ولا نسلّم أنّ صعود الماء لامتناع الخلاء. ولبس المادة مقدارا بعد خلع آخر ، يتوقف على ثبوت المادة وزيادة المقدار ، وهما ممنوعان. ولو كان للهواء مقدار طبيعي لوجب تشارك الكلّ من الهواء والجزء منه فيه. ثمّ إنّ صعود الماء قسري وبقاء الهواء على القدر الثاني قسري ، فلم كان أحدهما أولى؟!
وكثافة الهواء بسبب البرد إن اقتضت عود الهواء إلى مقداره الطبيعي وجب الخلاء عند دخول أوّل جزء من الماء لحصول البرد به (٢). وإن اقتضت زوال الهواء عن مقداره القسري لم يكن حصول بعض المقادير له أولى من غيره. وإن اقتضى طبعه حصول القدر المالى مطلقا ، فلم لا كان ذلك قبل الدخول؟! ولأنّه يستلزم أولوية الاختصاص مع عدم سببها (٣). ولأنّ مقتضى الطبيعة واحد ، والقدر المالئ غير واحد ، لاختلافه بسبب اختلاف الخلاء. ولأنّه لو كان البرد موجبا لكثافة
__________________
(١) البقبقة و (بق بق) : حكاية صوت الكوز في الماء.
(٢) م : «البرديّة».
(٣) م : «سبقها».