يمتنع أن يكون هو بعينه في تلك الحالة مشغولا بمماسة جزء آخر ، فلا جرم كانت المماسة والانطباق كاشفين (١) للفضل الخالي عن العوض.
الثاني : أن يفرض في الذهن تقابل إحدى الجملتين بالجملة الأخرى ، وذلك أيضا على وجهين : فإنّه إمّا يفرض تقابل إحدى الجملتين بالجملة الأخرى من حيث هما جملتان ، فلا يكون في ذلك إلّا مقابلة شيء واحد بشيء واحد. وإمّا أن يفرض تقابل آحاد إحدى الجملتين بآحاد الجملة الأخرى ، وذلك محال ، لأنّ العقل لا يقوى على استحضار أعداد لا نهاية لها على التفصيل ، وأمّا إن قابل بعض آحاد إحدى الجملتين ببعض آحاد الجملة الأخرى ، فلا يلزم منه وقوع النقصان في الكل. وظاهر مما مرّ أنّ الفضل الخالي عن العوض إنّما يلزم عند وجود الانطباق ، فثبت أنّ احتمال الزيادة والنقصان لا يوجب التناهي إلّا بهذا الشرط (٢).
وفيه نظر ؛ لأنّ التطبيق لا يشترط فيه الوضع عند الأوائل ، بل الترتيب ـ طبعا كالعلل أو وضعا كالمقادير ـ والاجتماع في الوجود ، ولهذا حكموا بأنّ النفوس والحركات لو وجد فيها الشرطان امتنع عدم التناهي فيها.
والنقض بتركّب الجسم من أجزاء غير متناهية غير وارد ، لعدم الحكم هنا بالزيادة والنقصان ، وكذا القائل بتركب العالم من أجزاء غير متناهية ومن الخليط ، وكذا الأكوان والمعدومات ومراتب العدد.
وأمّا المعلومات والمقدورات ، فليست وجودية ، بل هي أمور مفروضة على معنى أن كلّ شيء نتصوره ممكنا فإنّا نحكم عليه بكونه مقدورا ومعلوما ، وكلّ شيء نفرضه ممتنعا نحكم عليه بأنّه معلوم غير مقدور ، ويمكننا في كلّ واحد من الفرضين فرض ما زاد عليهما إلى ما لا يتناهى.
__________________
(١) في المصدر : «مظهرين».
(٢) المباحث المشرقية ١ : ٣٠٩ ـ ٣١١.