وحضور القلب من التردد على الجهات ، ثم لما كانت الجهات متساوية من حيث إمكان الاستقبال خصص الله بقعة مخصوصة بالتشريف والتعظيم وشرفها بالإضافة إلى نفسه واستمال القلوب إليها بتشريفه ليثيب على استقبالها ، فكذلك السماء قبلة الدعاء ، كما أن البيت قبلة الصلاة ، والمعبود بالصلاة والمقصود بالدعاء منزه عن الحلول في البيت والسماء ثم في الاشارة بالدعاء إلى السماء سر لطيف يعزّ من يتنبه لأمثاله ، وهو أن نجاة العبد وفوزه في الآخرة ، بأن يتواضع لله تعالى ويعتقد التعظيم لربه. والتواضع والتعظيم عمل القلب ، وآلته العقل ، والجوارح إنما استعملت لتطهير القلب وتزكيته ، فإن القلب خلق خلقه يتأثر بالمواظبة على أعمال الجوارح ، كما خلقت الجوارح متأثرة لمعتقدات القلوب. ولما كان المقصود أن يتواضع في نفسه بعقله وقلبه ، بأن يعرف قدره ليعرف بخسة رتبته في الوجود لجلال الله تعالى وعلوه ، وكان من أعظم الأدلة على خسته الموجبة لتواضعه أنه مخلوق من تراب ، كلف أن يضع على التراب ، الذي هو أذل الأشياء ، وجهه الذي هو أعز الأعضاء ، ليستشعر قلبه التواضع بفعل الجبهة في مماستها الأرض ، فيكون البدن متواضعا في جسمه وشخصه وصورته بالوجه الممكن فيه وهو معانقة التراب الوضيع الخسيس ويكون العقل متواضعا لربه بما يليق به ، وهو معرفة الضعة وسقوط الرتبة وخسة المنزلة عند الالتفات إلى ما خلق منه.
فكذلك التعظيم لله تعالى وضيعة على القلب فيها نجاته ، وذلك أيضا ينبغي أن تشترك فيه الجوارح ، وبالقدر الذي يمكنه أن تحمل الجوارح ، وتعظيم القلب بالإشارة إلى علو الرتبة على طريق المعرفة والاعتقاد وتعظيم الجوارح بالإشارة إلى جهة العلو الذي هو أعلى الجهات وأرفعها في الاعتقادات ؛ فإن غاية تعظيم الجارحة استعمالها في الجهات ، حتى أن من المعتاد المفهوم في المحاورات أن يفصح الإنسان عن علو رتبة غيره وعظيم ولايته فيقول : أمره في السماء السابعة ، وهو إنما ينبه على علو الرتبة ولكن يستعير له علو المكان ، وقد يشير برأسه إلى السماء في تعظيم من يريد تعظيم أمره ، أي أمره في السماء ، أي في