فليجز وجود العلم والقدرة والسواد والحركة ، بل الكلام فلم قالوا يخلق الأصوات في محل فلتخلق في غير محل ، وإن لم يعقل الصوت إلا في محل لأنه عرض وصفة فكذا الإرادة ، ولو عكس هذا لقيل إنه خلق كلاما لا في محل وخلق إرادة في محل لكان العكس كالطرد. ولكن لما كان أول المخلوقات يحتاج إلى الإرادة ، والمحل مخلوق ، لم يمكنهم تقدير محل الإرادة موجودا قبل الإرادة ؛ فإنه لا محل قبل الإرادة إلا ذات الله تعالى ولم يجعلوه محلا للحوادث. ومن جعله محلا للحوادث أقرب حال منهم فإن استحالة وجود إرادة في غير محل ، واستحالة كونه مريدا بإرادة لا تقوم به ، واستحالة حدوث إرادة حادثة به بلا إرادة تدرك ببديهة العقل أو نظره الجلي فهذه ثلاثة استحالات جلية ، واما استحالة كونه محلا للحوادث فلا يدرك إلا بنظر دقيق كما سنذكر.
الحكم الثالث :
إن الصفات كلها قديمة ، فإنها إن كانت حادثة كان القديم سبحانه محلا للحوادث ، وهو محال ، أو كان يتصف بصفة لا تقوم به وذلك أظهر استحالة ، كما سبق ، ولم يذهب أحد إلى حدوث الحياة والقدرة وإنما اعتقدوا ذلك في العلم بالحوادث وفي الإرادة وفي الكلام ونحن نستدل على استحالة كونه محلا للحوادث من ثلاثة أوجه :
الدليل الأول : إن كل حادث فهو جائز الوجود ، والقديم الأزلي واجب الوجود ، ولو تطرق الجواز إلى صفاته لكان ذلك مناقضا لوجوب وجوده فإن الجواز والوجوب يتناقضان. فكل ما هو واجب الذات فمن المحال أن يكون جائز الصفات وهذا واضح بنفسه.
الدليل الثاني : وهو الأقوى ، أنه لو قدر حلول حادث بذاته لكان لا يخلو إما أن يرتقي الوهم إلى حادث يستحيل قبله حادث ، أولا يرتقي إليه ، بل كان حادث ، فيجوز أن يكون قبله حادث ، فإن لم يرتق الوهم