المسألة الثالثة الفقهية : فمثل اختلافهم في أن الفاسق هل له أن يحتسب؟ وهذا نظر فقهي ، فمن أين يليق بالكلام ثم بالمختصرات. ولكنا نقول الحق أن له أن يحتسب وسبيله التدرج في التصوير ؛ وهو أن نقول : هل يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كون الآمر والناهي معصوما عن الصغائر والكبائر جميعا؟ فإن شرط ذلك كان خرقا للاجماع ، فان عصمة الأنبياء عن الكبائر إنما عرفت شرعا ، وعن الصغائر مختلف فيها ، فمتى يوجد في الدنيا معصوم؟ وإن قلتم إن ذلك لا يشترط حتى يجوز للابس الحرير مثلا وهو عاص به أن يمنع من الزنى وشرب الخمر ، فنقول : وهل لشارب الخمر أن يحتسب على الكافر ويمنعه من الكفر ويقاتله عليه؟ فإن قالوا لا ، خرقوا الاجماع إذ جنود المسلمين لم تزل مشتملة على العصاة والمطيعين ولم يمنعوا من الغزو لا في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم ولا في عصر الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ، فإن قالوا نعم ، فنقول : شارب الخمر هل له أن يمنع من القتل أم لا؟ فإن قيل لا ، قلنا : فما الفرق بين هذا وبين لابس الحرير إذا منع من الخمر والزاني إذا منع من الكفر؟ وكما أن الكبيرة فوق الصغيرة فالكبائر أيضا متفاوتة ، فإن قالوا نعم ، وضبطوا ذلك بأن المقدم على شيء لا يمنع من مثله ولا فيما دونه وله أن يمنع مما فوقه ، فهذا الحكم لا مستند له إذ الزنى فوق الشرب ولا يبعد أن يزني ويمنع من الشراب ويمنع منه ، ربما يشرب ويمنع غلمانه وأصحابه من الشرب ، ويقول : ترك ذلك واجب عليكم وعليّ والأمر بترك المحرم واجب علي مع الترك فلي أن أتقرب بأحد الواجبين ، ولم يلزمني مع ترك أحدهما ترك الآخر ، فإذن كما يجوز أن يترك الآمر بترك الشرب وهو بتركه يجوز أن يشرب ويأمر بالترك فهما واجبان فلا يلزم بترك أحدهما ترك الآخر ، فإن قيل : فيلزم على هذا أمور شنيعة وهو أن يزني الرجل بامرأة مكرها إياها على التمكين ، فإن قال لها في أثناء الزنى عند كشفها وجهها باختيارها لا تكشفي وجهك فاني لست محرما لك ، والكشف لغير المحرم حرام ، وأنت مكرهة على الزنى مختارة في كشف الوجه فأمنعك من هذا ، فلا شك من أن هذه