فإن سماه جسما ولم يرد هذا المعنى كانت المضايقة معه بحق اللغة أو بحق الشرع لا بحق العقل فإن العقل لا يحكم في اطلاق الألفاظ ونظم الحروف والأصوات التي هي اصطلاحات ، ولأنه لو كان جسما لكان مقدرا بمقدار مخصوص ويجوز أن يكون أصغر منه أو أكبر ، ولا يترجح أحد الجائزين عن الآخر إلّا بمخصص ومرجح ، كما سبق ، فيفتقر إلى مخصص يتصرف فيه فيقدره بمقدار مخصوص ، فيكون مصنوعا لا صانعا ومخلوقا لا خالقا.
(الدعوى السادسة) : ندعي أن صانع العالم ليس بعرض ، لأنا نعني بالعرض ما يستدعي وجوده ذاتا تقوم به ، وذلك الذات جسم أو جوهر ، ومهما كان الجسم واجب الحدوث كان الحال فيه أيضا حادثا لا محالة ، إذ يبطل انتقال الأعراض. وقد بينا أن صانع العالم قديم فلا يمكن أن يكون عرضا ، وإن فهم من العرض ما هو صفة لشيء من غير أن يكون ذلك الشيء متحيزا ، فنحن لا ننكر وجود هذا فانا نستدل على صفات الله تعالى نعم يرجع النزاع إلى إطلاق اسم الصانع والفاعل ، فإن إطلاقه على الذات الموصوفة بالصفات أولى من إطلاقه على الصفات.
فإذا قلنا الصانع ليس بصفة ، عنينا به أن الصنع مضاف إلى الذات التي تقوم بها الصفات لا إلى الصفات ، كما أنا إذا قلنا النجار ليس بعرض ولا صفة ، عنينا به أن صنعة النجارة غير مضافة إلى الصفات بل إلى الذات الواجب وصفها بجملة من الصفات حتى يكون صانعا. فكذا القول في صانع العالم ، وإن أراد المنازع بالعرض أمرا غير الحال في الجسم وغير الصفة القائمة بالذات كان الحق في منعه للّغة أو الشرع لا للعقل.
(الدعوى السابعة) : ندعي أنه ليس في جهة مخصوصة من الجهات الست ، ومن عرف معنى لفظ الجهة ومعنى لفظ الاختصاص فهم قطعا استحالة الجهات على غير الجواهر والأعراض ، إذ الحيز معقول وهو الذي يختص الجوهر به ، ولكن الحيز إنما يصير جهة إذا أضيف إلى شيء آخر متحيز.