يحتاج إليه الأصحاء. والمرضى أقل عددا بالإضافة إليهم ، ثم المريض لا يستغني عن الفقه كما لا يستغني عن الطب وحاجته إلى الطب لحياته الفانية وإلى الفقه لحياته الباقية وشتان بين الحالتين. فاذا نسبت ثمرة الطب إلى ثمرة الفقه علمت ما بين الثمرتين. ويدلك على أن الفقه أهم العلوم اشتغال الصحابة رضي الله عنهم بالبحث عنه في مشاورتهم ومفاوضاتهم. ولا يغرنك ما يهول به من يعظم صناعة الكلام من أنه الأصل والفقه فرع له فانها كلمة حق ولكنها غير نافعة في هذا المقام ، فإن الأصل هو الاعتقاد الصحيح والتصديق الجزم وذلك حاصل بالتقليد والحاجة إلى البرهان ودقائق الجدل نادرة. والطبيب أيضا قد يلبس فيقول وجودك ثم وجودك ثم وجود بدنك موقوف على صناعتي وحياتك منوطة بي فالحياة والصحة أولا ثم الاشتغال بالدين ثانيا. ولكن لا يخفى ما تحت هذا الكلام من التمويه وقد نبهنا عليه.
التمهيد الرابع
(في بيان مناهج الأدلة التي انتهجناها في هذا الكتاب)
اعلم أن مناهج الأدلة متشعبة وقد أوردنا بعضها في كتاب محك النظر وأشبعنا القول فيها في كتاب معيار العلم. ولكنا في هذا الكتاب نحترز عن الطرق المتغلقة والمسالك الغامضة قصدا للايضاح وميلا إلى الإيجاز واجتنابا للتطويل. ونقتصر على ثلاثة مناهج :
المنهج الأول : السير والتقسيم وهو ان نحصر الأمر في قسمين ثم يبطل أحدهما فيلزم منه ثبوت الثاني ، كقولنا : العالم إما حادث وإما قديم ، ومحال أن يكون قديما فيلزم منه لا محالة أن يكون حادثا أنه حادث وهذا اللازم هو مطلوبنا وهو علم مقصود استفدناه من علمين آخرين أحدهما قولنا : العالم إما قديم أو حادث فإن الحكم بهذا الانحصار علم.