الباب الثاني
(في بيان وجوب التصديق بأمور ورد بها الشرع وقضى بجوازها العقل)
وفيه مقدمة وفصلان ، أما المقدمة :
فهو أن ما لا يعلم بالضرورة ينقسم إلى ما يعلم بدليل العقل دون الشرع ، وإلى ما يعلم بالشرع دون العقل ، وإلى ما يعلم بهما. أما المعلوم بدليل العقل دون الشرع فهو حدث العالم ووجود المحدث وقدرته وعلمه وارادته ، فان كل ذلك ما لم يثبت لم يثبت الشرع ، إذ الشرع يبنى على الكلام فإن لم يثبت كلام النفس لم يثبت الشرع. فكل ما يتقدم في الرتبة على كلام النفس يستحيل إثباته بكلام النفس وما يستند إليه ونفس الكلام أيضا فيما اخترناه لا يمكن اثباته بالشرع ، ومن المحققين من تكلف ذلك وادّعاه كما سبقت الاشارة إليه.
وأما المعلوم بمجرد السمع فتخصيص أحد الجائزين بالوقوع فإن ذلك من موافق العقول ، وإنما يعرف من الله تعالى بوحي وإلهام ونحن نعلم من الوحي إليه بسماع كالحشر والنشر والثواب والعقاب وأمثالهما ، وأما المعلوم بهما فكل ما هو واقع في مجال العقل ومتأخر في الرتبة عن إثبات كلام الله تعالى كمسألة الرؤية وانفراد الله تعالى بخلق الحركات والأغراض كلها وما يجري هذا المجرى ، ثم كلما ورد السمع به ينظر ، فإن كان العقل مجوزا له وجب التصديق به قطعا إن كانت الأدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها لا يتطرق إليها احتمال ، وجب التصديق بها ظنا إن كانت ظنية ، فإن وجوب