أسبابه؟ وهل لكل ذلك مصدر إلا فضل الله ونعمته ؛ فنعوذ بالله من الانخلاع عن غريزة العقل بالكلية ، فإن هذا الكلام من هذا النمط ، فينبغي ان يسترزق الله تعالى عقلا لصاحبه ولا يشتغل بمناظرته.
الدعوى الثانية :
إن الله تعالى أن يكلف العباد ما يطيقونه وما لا يطيقونه ، وذهب المعتزلة إلى انكار ذلك ، ومعتقد أهل السنة أن التكليف له حقيقة في نفسه وهو أنه كلام وله مصدر وهو المكلف ، ولا شرط فيه إلا كونه متكلما ، وله مورد وهو المكلف وشرطه أن يكون فاهما للكلام فلا يسمى الكلام مع الجماد والمجنون خطابا ولا تكليفا ، والتكليف نوع خطاب وله متعلق وهو المكلف به وشرطه أن يكون مفهوما فقط ، وأما كونه ممكنا فليس بشرط لتحقيق الكلام فإن التكليف كلام ، فإذا صدر ممن يفهم مع من يفهم فيما يفهم وكان المخاطب دون المخاطب سمي تكليفا ، وإن كان مثله سمي التماسا ، وإن كان فوقه سمي دعاء وسؤالا ، فالاقتضاء في ذاته واحد وهذه الأسامي تختلف عليه باختلاف النسبة ، وبرهان جواز ذلك أن استحالته لا تخلو إما أن تكون لامتناع تصور ذاته ، كاجتماع السواد والبياض ، أو كان لأجل الاستقباح ، وباطل أن يكون امتناعه لذاته ، فإن السواد والبياض لا يمكن أن يفرض مجتمعا ، وفرض هذا ممكن إذ التكليف لا يخلو إما أن يكون لفظا وهو مذهب الخصم وليس بمستحيل أن يقول الرجل لعبده الزمن قم. فهو على مذهبهم أظهر وأما نحن فإنا نعتقد أنه اقتضاء يقوم بالنفس ، وكما بتصور أن يقوم اقتضاء القيام بالنفس من قادر فيتصور ذلك من عاجز بل ربما يقوم ذلك بنفسه من قادر ثم يبقى ذلك الاقتضاء ونظر الزمانة والسيد لا يدري ويكون الاقتضاء قائما بذاته وهو اقتضاء قائم من عاجز في علم الله تعالى ، وإن لم يكن معلوما عند المقتضي فإن علمه لا يحيل بقاء الاقتضاء مع العلم بالعجز عن الوفاء وباطل أن يقال بطلان ذلك من جهة الاستحسان ،