(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (١) فإن قيل : كيف يمكن ذلك وفيما روى أدق من الشعر وأحدّ من السيف ، فكيف يمكن المرور عليه؟ قلنا هذا إن صدر ممن ينكر قدرة الله تعالى ، فالكلام معه في إثبات عموم قدرته وقد فرغنا عنها ، وإن صدر من معترف بالقدرة فليس المشي على هذا بأعجب من المشي في الهواء ، والرب تعالى قادر على خلق قدرة عليه ، ومعناه أن يخلق له قدرة المشي على الهواء ولا يخلق في ذاته هويا إلى أسفل ، ولا في الهواء انحراف ، فإذا أمكن هذا في الهواء فالصراط أثبت من الهواء بكل حال.
الفصل الثاني :
في الاعتذار عن الاخلال بفصول شحنت بها المعتقدات فرأيت الإعراض عن ذكرها أولى لأن المعتقدات المختصرة حقها أن لا تشتمل إلا على المهم الذي لا بد منه في صحة الاعتقاد.
أما الأمور التي لا حاجة إلى إخطارها بالبال ، وإن خطرت بالبال فلا معصية في عدم معرفتها وعدم العلم بأحكامها ، فالخوض فيها بحث عن حقائق الأمور وهي غير لائقة بما يراد منه تهذيب الاعتقاد ، وذلك الفن تحصره ثلاثة فنون : عقلي ، ولفظي ، وفقهي ، أما العقلي ، فالبحث عن القدرة الحادثة أنها تتعلق بالضدين أم لا ، وتتعلق بالمختلفات أم لا ، وهل يجوز قدرة حادثة تتعلق بفعل مباين لمحل القدرة وأمثال له ، وأما اللفظي فكالبحث عن المسمى باسم الرزق ما هو ، ولفظ التوفيق والخذلان والايمان ما حدودها ومسبباتها ، وأما الفقهي فكالبحث عن الأمر بالمعروف متى يجب ، وعن التوبة ما حكمها ، إلى نظائر ذلك ، وكل ذلك ليس بمهم في الدين ، بل المهم أن ينفي الانسان الشك عن نفسه في ذات الله تعالى ، على القدر الذي
__________________
(١) سورة الصافات الآية : ٢٤.