الباب الرابع
بيان من يجب تكفيره من الفرق
اعلم أن للفرق في هذا مبالغات وتعصبات ، فربما انتهى بعض الطوائف إلى تكفير كل فرقة سوى الفرقة التي يعزى إليها ، فإذا أردت أن تعرف سبيل الحق فيه فاعلم قبل كل شيء أن هذه مسألة فقهية ، أعني الحكم بتكفير من قال قولا وتعاطى فعلا ، فإنها تارة تكون معلومة بأدلة سمعية وتارة تكون مظنونة بالاجتهاد ، ولا مجال لدليل العقل فيها البتة ، ولا يمكن تفهيم هذا إلا بعد تفهيم قولنا : إن هذا الشخص كافر والكشف عن معناه ، وذلك يرجع إلى الإخبار عن مستقره في الدار الآخرة وأنه في النار على التأبيد ، وعن حكمه في الدنيا وأنه لا يجب القصاص بقتله ولا يمكّن من نكاح مسلمة ولا عصمة لدمه وماله ، إلى غير ذلك من الأحكام. وفيه أيضا إخبار عن قول صادر منه وهو كذب ، أو اعتقاد وهو جهل ، ويجوز أن يعرف بأدلة العقل كون القول كذبا وكون الاعتقاد جهلا ، ولكن كون هذا الكذب والجهل موجبا للتكفير أمر آخر ، ومعناه كونه مسلطا على سفك دمه وأخذ أمواله ، ومعنى كونه مسلطا على سفك دمه وأخذ أمواله ومبيحا لإطلاق القول بأنه مخلد في النار ؛ وهذه الأمور شرعية ويجوز عندنا أن يرد الشرع بأن الكذاب أو الجاهل أو المكذب مخلد في الجنة وغير مكترث بكفره ، وإن ماله ودمه معصوم ويجوز أن يرد بالعكس أيضا نعم ليس يجوز أن يرد بأن الكذب صدق وأن الجهل علم ، وذلك ليس هو المطلوب بهذه المسألة بل المطلوب أن هذا الجهل والكذب هل جعله الشرع سببا لإبطال عصمته