من الكتاب وعند هذا يعلم وجود الصانع إذ بان القياس الذي ذكرناه ، وهو قولنا أن العالم حادث وكل حادث فله سبب فالعالم له سبب. فقد ثبتت هذه الدعوى بهذا المنهج ، ولكن بعد لم يظهر لنا إلّا موجود السبب ، فأما كونه حادثا أو قديما وصفا له فلم يظهر بعد فلنشتغل به.
(الدعوى الثانية) : ندعي أن السبب الذي أثبتناه لوجود العالم قديم فإنه لو كان حادثا لافتقر إلى سبب آخر ، وكذلك السبب الآخر ويتسلسل إما إلى غير نهاية وهو محال ، وإما أن ينتهي إلى قديم لا محالة يقف عنده وهو الذي نطلبه ونسميه صانع العالم. ولا بدّ من الاعتراف به بالضرورة ولا نعني بقولنا قديم إلّا أن وجوده غير مسبوق بعدم ، فليس تحت لفظ القديم إلا إثبات موجود ونفي عدم سابق. فلا تظنن أن القدم معنى زائد على ذات القديم ، فيلزمك أن تقول ذلك المعنى أيضا قديم بقدم زائد عليه ، ويتسلسل القول إلى غير نهاية.
(الدعوى الثالثة) : ندعي أن صانع العالم مع كونه موجودا لم يزل فهو باق لا يزال لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه. وإنما قلنا ذلك لأنه لو انعدم لافتقر عدمه إلى سبب فانه طارئ بعد استمرار الوجود في القدم. وقد ذكرنا ان كل طارئ فلا بد له من سبب من حيث انه طارئ لا من حيث أنه موجود. وكما افتقر تبدل العدم بالوجود إلى مرجح للوجود على العدم ، فكذلك يفتقر تبدل الوجود بالعدم إلى مرجح للعدم على الوجود. وذلك المرجح إما فاعل بعدم القدرة ، أو ضد انقطاع شرط من شروط الوجود ، ومحال أن يحال على القدرة ؛ إذ لوجود شيء ثابت يجوز أن يصدر عن القدرة ، فيكون القادر باستعماله فعل شيئا والعدم ليس بشيء ، فيستحيل أن يكون فعلا واقعا بأثر القدرة. فإنا نقول : فاعل العدم هل فعل شيئا؟ فان قيل نعم ، كان محالا ، لأن النفي ليس بشيء.
وإن قال المعتزلي أن المعدوم شيء وذات ، فليس ذلك الذات من أثر