بل هو محال لغيره ، والمحال لغيره في امتناع الوقوع كالمحال لذاته ، ومن قال إن الكفار الذين لم يؤمنوا ما كانوا مأمورين بالايمان فقد جحد الشرع ، ومن قال كان الايمان منهم متصورا مع علم الله سبحانه وتعالى بأنه لا يقع ، فقد اضطر كل فريق إلى القول بتصور الأمر بما لا يتصور امتثاله ، ولا يغني عن هذا قول القائل إنه كان مقدورا عليه وكان للكافر عليه قدرة ، أما على مثلنا فلا قدرة قبل الفعل ولم تكن لهم قدرة إلا على الكفر الذي صدر منهم ، وأما عند المعتزلة فلا يمتنع وجود القدرة ولكن القدرة غير كافية لوقوع المقدور بل له شرط كالارادة وغيرها ، ومن شروطه أن لا ينقلب علم الله تعالى جهلا ، والقدرة لا تراد لعينها بل لتيسير الفعل بها ، فكيف يتيسر فعل يؤدي إلى انقلاب العلم جهلا؟ فاستبان أن هذا واقع في ثبوت التكليف بما هو محال لغيره ، فكذا يقاس عليه ما هو محال لذاته إذ لا فرق بينهما في إمكان التلفظ ولا في تصور الاقتضاء ولا في الاستقباح والاستحسان.
الدعوى الثالثة :
ندعي أن الله تعالى قادر على إيلام الحيوان البريء عن الجنايات ولا يلزم عليه ثواب ، وقالت المعتزلة إن ذلك محال لأنه قبيح ، ولذلك لزمهم المصير إلى أن كل بقة وبرغوث أو ذي بعرة أو صدمة فإن الله عزوجل يجب عليه أن يحشره ويثيبه عليه بثواب ، وذهب ذاهبون إلى أن أرواحها تعود بالتناسخ إلى أبدان أخر وينالها من اللذة ما يقابل تعبها ؛ وهذا مذهب لا يخفى فساده ، ولكنا نقول : أما إيلام البريء عن الجناية من الحيوان والأطفال والمجانين فمقدور بما هو مشاهد محسوس ، فيبقى قول الخصم إن ذلك يوجب عليه الحشر والثواب بعد ذلك فيعود إلى معنى الواجب ، وقد بان استحالته في حق الله تعالى ، وإن فسروه بمبنى رابع فهو غير مفهوم ، وإن زعموا أن تركه يناقض كونه حكيما فنقول : إن الحكمة إن أريد بها العلم بنظام الأمور والقدرة