فيقول : لأنه بلغ فأطاعني وأنت لم تطعني بالعبادات بعد البلوغ ، فيقول : يا رب لأنك أمتني قبل البلوغ فكان صلاحي في أن تمدني بالحياة حتى أبلغ فأطيع فأنال رتبته فلم حرمتني هذه الرتبة أبد الآبدين وكنت قادرا على أن توصلني لها؟ فلا يكون له جواب إلا أن يقول : علمت أنك لو بلغت لعصيت وما أطعت وتعرضت لعقابي وسخطي فرأيت هذه الرتبة النازلة أولى بك وأصلح لك من العقوبة ، فينادي الكافر البالغ من الهاوية ويقول : يا رب أو ما علمت أني إذا بلغت كفرت فلو أمتني في الصبا وأنزلتني في تلك المنزلة النازلة لكان أحب إليّ من تخليد النار وأصلح لي ، فلم أحييتني وكان الموت خيرا لي؟ فلا يبقى له جواب البتة ، ومعلوم أن هذه الأقسام الثلاثة موجودة ، وبه يظهر على القطع أن الأصلح للعباد كلهم ليس بواجب ولا هو موجود.
الدعوى الخامسة :
ندعي أن الله تعالى إذا كلف العباد فأطاعوه لم يجب عليه الثواب ، بل إن شاء أثابهم وإن شاء عاقبهم وإن شاء أعدمهم ولم يحشرهم ، ولا يبالي لو غفر لجميع الكافرين وعاقب جميع المؤمنين ، ولا يستحيل ذلك في نفسه ولا يناقض صفة من صفات الإلهية ، وهذا لأن التكليف تصرف في عبيده ومماليكه ، أما الثواب ففعل آخر على سبيل الابتداء ، وكونه واجبا بالمعاني الثلاثة غير مفهوم ولا معنى للحسن والقبيح ، وإن أريد له معنى آخر فليس بمفهوم إلا أن يقال إنه يصير وعده كذبا وهو محال ، ونحن نعتقد الوجوب بهذا المعنى ولا ننكره.
فإن قيل : التكليف مع القدرة على الثواب وترك الثواب قبيح ، قلنا : إن عنيتم بالقبح أنه مخالف غرض المكلف فقد تعالى المكلّف وتقدس عن الأغراض ، وإن عنيتم به أنه مخالف غرض المكلّف مسلّم لكن ما هو قبيح عند المكلف لم يمتنع عليه فعله إذا كان القبيح والحسن عنده وفي حقه بمثابة