عليه في الخصوص لا على العموم ، وما كان أيضا دليلا على الاستحالة ، فكيف وهو جواب عن السؤال في الحال؟
وأما قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١) أي لا تحيط به ولا تكتنفه من جوانبه كما تحيط الرؤية بالأجسام ، وذلك حق ، أو هو عام فأريد به في الدنيا ، وذلك أيضا حق ، وهو ما أراده بقوله سبحانه (لَنْ تَرانِي) (٢) في الدنيا. ولنقتصر على هذا القدر في مسألة الرؤية ، ولينظر المنصف كيف افترقت الفرق وتخربت إلى مفرط ومفرّط.
أما الحشوية فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إلا في جهة ، فأثبتوا الجهة حتى ألزمتهم بالضرورة الجسمية والتقدير والاختصاص بصفات الحدوث. وأما المعتزلة فانهم نفوا الجهة ولم يتمكنوا من إثبات الرؤية دونها ، وخالفوا به قواطع الشرع ، وظنوا أن في إثباتها اثبات الجهة ، فهؤلاء تغلغلوا في التنزيه محترزين من التشبيه ، فأفرطوا. والحشوية أثبتوا الجهة احترازا من التعطيل فشبهوا ، فوفق الله سبحانه أهل السنة للقيام بالحق ، فتفطنوا للمسلك القصد وعرفوا أن الجهة منفية لأنها للجسمية تابعة وتتمة ، وأن الرؤية ثابتة لأنها رديف العلم وفريقه ، وهي تكملة له ؛ فانتفاء الجسمية أوجب انتفاء الجهة التي من لوازمها ، وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفه وتكملاته ومشاركة له في خاصيته ، وهي أنها لا توجب تغييرا في ذات المرئي ، بل تتعلق به على ما هو عليه كالعلم ، ولا يخفى عن عاقل أن هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد.
(الدعوى العاشرة) : ندعي أنه سبحانه واحد. فإن كونه واحدا يرجع إلى ثبوت ذاته ونفي غيره. فليس هو نظر في صفة زائدة على الذات ، فوجب ذكره في هذا القطب.
__________________
(١) سورة الانعام الآية : ١٠٣.
(٢) سورة الاعراف الآية : ١٤٣.