ثمّ إنّ العلّامة ذكر في التحرير : «انّ قول المفيد ـ بأنّه : لا يجوز الرجوع في الوقف إلّا أن يحدث .. إلى قوله : أنفع لهم من تركه على حاله ـ متأوّل» (١). ولعلّه (١) من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.
وقال في الانتصار ـ على ما حكي عنه ـ : «وممّا انفردت الإماميّة به : القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه ، وأنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم
______________________________________________________
جواز الوقف وعدم لزومه بناء على دخل القبض في اللزوم ، فليست هاتان الصورتان كالصور الثلاث المذكورة بعد القبض كما لا يخفى.
(١) أي : ولعلّ كونه متأوّلا هو مخالفته .. إلخ ، ووجه مخالفته للقواعد ما عرفته من دخل القبض في اللزوم أو الصحة ، ومعه لا حاجة في جواز الرجوع إلى خروج الموقوف عليه عن قابلية المعونة شرعا. ولأجل هذا قال العلامة قدسسره بلزوم تأويل كلام المفيد لئلّا ينافي القواعد المسلّمة.
وعليه فالعلّامة ـ كالشهيد ـ ادّعى ظهور عبارة المقنعة في جواز بيع الوقف في صور خمس ، ولكنه في التحرير قال بعدم إرادة هذا الظاهر ، وأنّه لا بدّ من توجيهه بأن يراد من الجواز في قول المفيد : «لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث» هو الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة ، فالمعنى : «أنه يكره الرجوع إلّا أن يحدث ، فالرجوع مباح حينئذ ، وليس بمكروه».
والداعي لهذا التوجيه هو أنّ فقاهة الشيخ المفيد وجلالة شأنه مانعتان عن الأخذ بظاهر كلامه من حرمة رجوع الواقف قبل القبض إلّا في صورتين ، لأنّ جواز الرجوع قبل القبض من المسلّمات ، ولا يتوقف على إحدى الصورتين.
فتحصّل : أن الشيخ المفيد قدسسره يقول بجواز بيع الوقف المؤبّد في الجملة أي في ثلاث صور ، وكذا في مورد اشتراط الواقف جواز بيعه في صيغة الوقف. وأمّا المنقطع فيرجع بعد انقراض الموقوف عليه إلى ورثته كما صرّح به.
__________________
(١) تحرير الأحكام ، ج ١ ، ص ٢٨٤.