وبدل اشتمال ، فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل لا يكرر وذلك في قول الشاعر :
٤٣١٧ ـ فإلى ابن أمّ أناس أرحل ناقتي |
|
عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف |
ملك إذا نزل الوفود ببابه |
|
عرفوا موارد مزبد لا ينزف (١) |
قال : «فملك» بدل من «عمرو» بدل نكرة من معرفة ، قال : فإن قلت : ألا يكون بدلا م ن «ابن أم أناس» قلت : لأنه قد أبدل منه «عمرا» فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى لأنه قد طرح انتهى (٢).
قال أبو حيان : فدل هذا على أن البدل لا يتكرر ويتحد المبدل منه ، ودل على أن البدل من البدل جائز (٣). قال شهاب الدين : وهذا البحث قد تقدم في قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) فليلتفت إليه (٤).
قال : وقوله تفاعيلها هو جمع تفعال أو تفعول أو تفعيل وليس شيء منها معدودا من أجزاء العروض ، فإن أجزاءه منحصرة ليس فيها شيء من هذه الأوزان فصوابه أن يقول : جاءت أجزاؤها كلها على مستفعلن (٥).
وقال الزمخشري أيضا : ولقائل أن يقول هي صفات وإنما حذفت الألف واللام من «شديد» ليزاوج ما قبله وما بعده لفظا فقد غيروا كثيرا من كلامهم عن قوانينه لأجل الإزواج (٦) ، قالوا : ما يعرف سحادليه (٧) من عنادليه ، فثنّوا ما هو «وتر» لأجل ما هو
__________________
(١) البيتان من بحر البسيط لبشر بن أبي خازم ويروى الأول : وإلى ابن أم بالواو ... تعمد ناقتي ... لتنجح ناقتي أو تتلف وعمرو هو جد امرىء القيس وأم أناس بنت ذهل بن شيبان ، وتزحف من الإزحاف وهو الإعياء ، والموارد المناهل ، والمزبد البحر يعلوه الزّبد لتلاطم أمواجه وفي الديوان : عرفوا غوارب. وينزف : ينفد ماؤه. والبيت في مدح الممدوح ووصفه بالكرم كالبحر الفضفاض دوما. والشاهد في قوله : «ملك» ـ كما أخبر أعلى ـ فإنه بدل من «عمرو» بدل نكرة من معرفة ، ولا يجوز أن يكون بدلا م ن «ابن أم أناس» لأنه قد أبدل منه «عمرو» فلا يجوز أن يبدل منه مرة أخرى ورواية الديوان «ملك» ـ بالرفع ـ وعليه فلا شاهد. ومن رأيي أن تكرار البدل لا يمنع منه مانع ما دام ذلك في خدمة المعنى قياسا على الصفة التي من الجائز أن تتعدد وانظر الكتاب ٢ / ٩ والقصائد السبع لابن الأنباري ٥٠٠ والإنصاف ٤٩٦ والخزانة ١ / ١٤٩ عرضا والتصريح ٢ / ٣٢ وحاشية العليمي عليه والهمع ٢ / ١٢٧ ، واللسان (زحف) والبحر المحيط ٧ / ٤٤٨ والدر المصون ٤ / ٦٧٣ وديوانه ١٥٥.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٤٨.
(٣) السابق.
(٤) الدر المصون ٤ / ٦٧٤.
(٥) البحر المحيط المرجع السابق.
(٦) هو أن يزاوج بين الكلمات أو الجمل بكلام عذب وألفاظ حلوة وأمثلته أكثر من أن تحصى كقوله : «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» انظر الفوائد المشوق ٢٢٥.
(٧) السحادل : الذكر ، والعنادلان : الخصيتان. وشاهد المثال تثنية السحادل ـ مع أنه مفرد للفرد ـ تبعا للعنادلين مزاوجة (انظر معجم الألفاظ المثناة ٢٢٥ ، ٣٢٩ والقاموس المحيط سحدل ٣ / ٤٠٦).