أجيب بوجهين :
أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك وأنشدوا قوله :
٤٣٤٥ ـ أنا سيف العشيرة فاعرفوني |
|
حميدا قد تذرّيت السّناما (١) |
«فحميدا» بدل من ياء «فاعرفوني». وقد تأوله البصريون على نصبه على الاختصاص.
والثاني : أن هذا الذي نحن فيه ليس محل الخلاف ؛ لأنه دال على الإحاطة والشمول ، وقد قالوا : إنه متى كان البدل دالا على ذلك جاز ، وأنشدوا :
٤٣٤٦ ـ فما برحت أقدامنا في مكاننا |
|
ثلاثتنا حتّى أزيروا المنائيا (٢) |
ومثله قوله تعالى : (لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [المائدة : ١١٤] قالوا : «ثلاثتنا» بدل من «نا» في «مكاننا» ؛ لدلالتها على الإحاطة ، وكذلك (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) بدل من «نا» في «لنا» ، فلأن يجوز ذلك في كل التي هي أصل في الشمول والإحاطة بطريق الأولى ، هذا كلام أبي حيان في الوجه الثالث (٣). وفيه نظر لأن المبرد (٤) ومكيّا (٥) نصا على أن البدل في هذه الآية لا يجوز فكيف يدعى أنه لا خلاف في البدل والحالة هذه؟ لا يقال : إن في الآية قولا رابعا ، وهو أن «كلّا» نعت لاسم إنّ ، وقد صرح الكسائيّ (٦) والفراء بذلك فقالا : هو نعت لاسم (٧) إن ؛ لأن الكوفيين يطلقون اسم النعت على التأكيد ، ولا يريدون حقيقة النعت (٨).
وممن نص على هذا التأويل مكي (٩) ـ رحمهالله ـ ؛ ولأن الكسائي إنما جوز نعت ضمير الغائب فقط دون المتكلم والمخاطب.
__________________
(١) من تمام الوافر وهو لحميد بن بجدلة الكلبي واستشهد به الكوفيون والأخفش على جواز إبدال الظاهر وهو حميد من ضمير المتكلم وهو الياء من اعرفوني ، وقد أوّله البصريون على الاختصاص كما أوضح أعلى وقد تقدم.
(٢) من الطويل لعبيدة بن الحارث المطلبي ويروى في مقامنا بدل مكاننا ، وحتى للغاية بمعنى إلى وأزيروا : فعل مجهول والواو نائب فاعل والمنائيا أصلها المنايا ، ولكن أظهرت فيه الياء المحذوفة للضرورة ، وقلبت همزة. وقد تقدم.
(٣) البحر المحيط ٤٧٠ / ٧ بتقديم وتأخير في عبارته.
(٤) قال ولا يبدل من المخاطب ولا المخاطب لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما انظر إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٦.
(٥) قال مكي : ولا يجوز البدل لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره مشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٦٧.
(٦) نقله عنه القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٢١.
(٧) معاني الفراء ٣ / ١٠.
(٨) القرطبي المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٧٠٤.
(٩) مشكل إعراب القرآن المرجع السابق.