قيل : الأمر يجزم ، لأن الآمر كأنه جزم على المأمور أن يفعله ولا يتركه ، فأتى بلفظ مجزوم تنبيها على أنّ الفعل لا بد من إيقاعه و «إن» في الشرط ك «لم» لأن «إن» تغير معنى الفعل من المضيّ إلى الاستقبال كما أن «لم» تغيّره من الاستقبال إلى المضي تقول : إن أكرمتني أكرمك ، فلما كان «إن» مثل «لم» في كونه حرفا ، وفي لزوم الدخول على الأفعال وتغييرها صار جازما للشبه اللّفظيّ وأما الجزاء فجزم لما ذكرنا من المعنى ، فإن الجزاء يجزم لوقوعه عند وجود الشرط فجزمه إذن إمّا للمعنى ، أو للشبه اللفظي (١).
فصل
أخبر الله تعالى أنّ حقيقة الإيمان هو التصديق بالقلب ، وأن الإقرار باللّسان وإظهار شرائعه بالإيمان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص والإسلام هو الدخول في السّلم ، وهو الانقياد والطاعة يقال : أسلم الرّجل إذا دخل في الإسلام والسّلم ، كما يقال أشتى إذا دخل في الشّتاء ، وأصاف إذا دخل في الصّيف ، وأربع إذا دخل في الرّبيع ، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان كقوله ـ عزوجل ـ لإبراهيم : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] ومنها : ما هو انقياد باللّسان دون القلب وذلك قوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
قال ابن الخطيب : المؤمن والمسلم واحد عند أهل السنة فيكون الفرق بين العام والخاص أن الإيمان لا يحصل إلا بالقلب والانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان والإسلام أعم لكن العام في صورة الخاص متّحد مع الخاص ولا يكون أمرا آخر غيره. مثاله : الحيوان أعمّ من الإنسان ، لكن الحيوان في صورة الإنسان (ليس (٢)) أمرا ينفكّ عن الإنسان ويجوز أن يكون ذلك الحيوان حيوانا ولا يكون إنسانا ، فالعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود وكذلك المؤمن والمسلم. وسيأتي بقية الكلام عن ذلك في الذّاريات عند قوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ و ٣٦] إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخطيب : وفي الآية إشارة إلى بيان حال المؤلّفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم ((بعد) ضعيفا (٣)) قال (٤) لهم : لم تؤمنوا لأن الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبكم وسيدخل باطّلاعكم على محاسن الإسلام (٥).
__________________
(١) وقد قال بتلك الكلمات الإمام الفخر في تفسيره ٢٨ / ١٤١ وانظر في معالم «لم ولما» المغني كما سبق وهمع الهوامع ١ / ٢١٥ و ٢ / ٥٦ و ٥٧ وقطر النّدى وبلّ الصّدى ١١١ و ١١٢ و ١١٣ وشرح الكافية للإمام الرضي ٢ / ٣٥١ ، وشرح الأشموني على الألفية بحاشية الصبان ٤ / ٥ و ٦ و ٧.
(٢) تكملة من الرازي على النسختين بدليل نصب الخبر بعد.
(٣) ما بين القوسين الكبيرين ساقط من أالأصل وما بين الصغيرين ساقط من ب فقط.
(٤) كذا في الرازي وأ وفي ب يقال.
(٥) انظر تفسير الإمام ٢٨ / ١٤١ و ١٤٢.