غاية (١) ما في الباب أن الأمر على خلاف ما ينبغي كذلك : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) إشارة إلى أنّ مجيء الفاسق بالنبأ ينبغي أن لا يقع إلا قليلا مع أن مجيء الفاسق كثير ، وذلك لأن قول الفاسق صار (٢) عند أول الأمر أشدّ قبولا من قول الصادق الصالح ، وقال : (وَإِنْ طائِفَتانِ) ولم يقل : «فرقتان» تحقيقا للمعنى الذي ذكرناه وهو التقليل (٣) ، لأن الطائفة دون الفرقة ، قال تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢].
فصل
قال : من المؤمنين ولم يقل : منكم مع أن الخطاب مع المؤمنين سبق في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) تنبيها على قبح (٤) ذلك وتبعيدا لهم عنه ، كقول السيد لعبده : إن رأيت أحدا من غلماني يفعل كذا فامنعه ، فيصير بذلك مانعا للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن كأنه يقول : أنت حاشاك أن تفعل ذلك وإن فعل غيرك فامنعه ، كذلك (٥) ههنا.
فصل
قال : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ولم يقل : فإن اقتتل طائفتان من المؤمنين مع أن كلمة «إن» اتصالها بالفعل أولى ، وذلك ليكون الابتداء بما يمنع من القتال فيتأكد معنى النكرة ، والمدلول عليها بكلمة إن ، وذلك لأن كونهما طائفتين (مؤمنتين) (٦) يقتضي أن لا يقع القتال بينهما.
فإن قيل : فلم لم يقل : يا أيها الذين آمنوا إن فاسق «جاءكم» أو إن أحد من الفسّاق جاءكم ليكون الابتداء بما يمنعهم من الإصغاء إلى كلامه وهو كونه فاسقا؟ أو يزداد بسببه فسقه بالمجيء به بسبب الفسق؟
فالجواب : أن الاقتتال لا يقع سببا للإيمان ولا للزيادة فقال : إن جاءكم فاسق أي سواء كان فاسقا أولا أو جاءكم بالنبأ فصار فاسقا به. ولو قال : إن أحد من الفسّاق جاءكم لا يتناول إلا مشهور الفسق قبل المجيء إذا جاءهم بالنّبأ.
فصل
قال تعالى : (اقْتَتَلُوا) ولم يقل يقتتلوا (بصيغة الاستقبال) ؛ لأن صيغة الاستقبال
__________________
(١) في ب فغاية.
(٢) في ب صادر.
(٣) في النسختين التعليل. وفي الرازي التقليل كما كتبتها.
(٤) في النسختين فتح. والرازيّ كتبها قبح كما هو واضح.
(٥) في ب كذا وليس كذلك.
(٦) زيادة من الرازي للسياق.