قوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) ، قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ بعث الله رسوله محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بشهادة أن لا إله إلّا الله ، فلما صدقوا زادهم الصلاة ، ثم الزكاة ، ثم الصّيام ، ثم الحجّ ، ثم الجهاد حتى أكمل لهم دينهم وكلّما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم. وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم (١) ، وقيل : أنزل السكينة عليهم فصبروا ورأوا عين اليقين ما علموا من النصر علم اليقين إيمانا بالغيب فازدادوا إيمانا مستفادا من الغيب مع إيمانهم المستفاد من الشهادة. وقيل : ازدادوا إيمانا بالفروع مع إيمانهم بالأصول فإنهم آمنوا بأن محمدا رسول الله ، فإن الله واحد ، والحشر كائن فآمنوا بأن كلّ ما يقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فهو صدق ، وكلّ ما يأمر الله تعالى به فهو واجب.
وقيل : ازدادوا إيمانا استدلاليّا مع إيمانهم الفطري.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في حق الكفار : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) ولم يقل مع كفرهم وقال في حق المؤمنين : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)؟
فالجواب : أن كفر الكافر عناديّ ، وليس في الوجود كفر فطريّ ، ولا في الوجود كفر عناديّ لينضمّ إلى الكفر الفطري بل الكفر ليس إلا عنادا وكذلك الكفر بالفروع لا يقال : انضم إلى الكفر بالأصول ، لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد ، ولهذا قال : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ).
قوله : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو قادر على إهلاك عدوّهم بجنود ، بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائه بأيديهم فيكون لهم الثواب. والمراد بجنود السماوات والأرض الملائكة ، وقيل : جنود السماوات الملائكة وجنود الأرض الجنّ والحيوانات. وقيل : الأسباب السماوية.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً) لما قال : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وعددهم غير محصور فقال «عليما» إشارة إلى أنه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض. وقيل : لما ذكر القلوب بقوله : (أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) والإيمان الذي من عمل القلوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يعلم السّرّ وأخفى. وقوله «حكيما» بعد «عليما» إشارة إلى أنه يفعل على وفق العلم ، فإن الحكيم من يعمل شيئا متقنا وبعلمه (٢).
قوله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) في متعلق هذه اللام أربعة أوجه :
أحدها : محذوف تقديره : يبتلي بتلك الجنود من شاء فيقبل الخبر ممن أهّله له والشّرّ ممن قضى له به ليدخل ويعذب.
__________________
(١) القرطبي ١٦ / ٢٦٤.
(٢) وانظر في هذا كله المرجع السابق ٢٨ / ٨١.