قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) في «هاء» (١) «رأوه» قولان :
أحدهما : أنه عائد على «ما» في قوله «ما تعدنا».
الثاني : أنه ضمير مبهم يفسره «عارضا» إما تمييزا ، أو حالا. قالهما الزمخشري (٢).
وردّه أبو حيان بأن التمييز المفسّر للضمير محصور في باب ربّ (٣) ، وفي نعم وبئس (٤) ، وبأنّ الحال لم يعهد فيها أن توضع الضمير قبلها ، وأن النّحويّين لا يعرفون ذلك (٥). وذكر المبرد في الضمير ههنا قولين :
الأول : ما تقدم. والثاني : أنه يعود إلى غير مذكور وبينه قوله : «عارضا» كقوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر : ٤٥]. ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا الضمير ههنا ، عائد إلى السحاب ، كأنه قيل : فلما رأوا السّحاب عارضا (٦). وهذا اختيار الزجاج (٧). ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير (٨).
والعارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبّق (٩) السماء. قال أهل اللغة : العارض المعترض من السّحاب (١٠) في الجوّ ، قال :
٤٤٥٥ ـ يا من رأى عارضا أرقت له |
|
بين دراعي وجبهة الأسد (١١) |
قوله : (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) صفة ل «عارضا» ، وإضافة غير محضة (١٢) فمن ثمّ ساغ
__________________
(١) في ب «ما» بدل «ها» وهو لحن بيّن.
(٢) في الكشاف ٣ / ٥٢٤ وقد رجّح الثاني من الوجهين قائلا : «وهذا الوجه أعرب وأفصح».
(٣) كربّ رجلا.
(٤) مثل : نعم تلميذا في المدرسة زيد.
(٥) وهذا بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٦٤ فقد قال : «وهذا الذي ذكره أي الزمخشري أنه أعرب وأفصح ليس جاريا على ما ذكر النحاة ، لأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون إلا في باب رب ، نحو ربّ رجلا لقيته وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين نحو : نعم رجلا زيدا ، وبئس غلاما عمرو ؛ وأما أن الحال يوضح المبهم ويفسره فلا نعلم أحدا ذهب إليه وقد حصر النحاة المضمر الذي يفسره ما بعده فلم يذكر فيه مفعول رأى إذا كان ضميرا ، ولا أنّ الحال يفسر الضمير ويوضحه».
(٦) نقله عنه الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٢٧.
(٧) قال : «أي فلما رأوا السّحاب الذي نشأت منه الريح التي عذبوا بها قد عرضت في السماء». معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤٥.
(٨) الرازي السابق.
(٩) وهذا رأي أبي زيد فيما نقله عنه الرازي السابق.
(١٠) قال أبو عبيدة في المجاز ٢ / ٢١٣ : «والعارض السحاب الذي يرى في قطر من أقطار السماوات من العشي ثم يصبح وقد حبا ثم استوى» بينما أطلق اين قتيبة في غريب القرآن ٤٠٥ بأنه السّحاب فقط.
(١١) سبق هذا البيت وأتى به شاهدا هنا على أن العارض هو السحاب المعترض.
(١٢) أي في تقدير الانفصال أي مستقبلا أوديتهم.