قوله : (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) الأكثرون قرأوا بضم الجيم ، وقرىء رجل بكسر الجيم كما يقال : عضد في عضد (١). وقرأ الأعمش وعبد الوارث بتسكينها وهي لغة تميم ونجد (٢) والأولى هي الفصحى.
قوله (مِنْ آلِ) يحتمل أن يكون متعلقا «بيكتم» بعده أي يكتم إيمانه من آل فرعون(٣).
قيل : هذا الاحتمال غير جائز ؛ لأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا ، إنما يقال : كتمته كذا ، قال تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] بل الظاهر تعلقه بمحذوف صفة لرجل (٤).
قال ابن الخطيب : يجوز أن يكون متعلقا بقوله : «مؤمن» وإن كان ذلك المؤمن شخصا من آل فرعون (٥).
قال شهاب الدين : وجاء هنا على أحسن ترتيب حيث قدم المفرد ثم ما يقرب منه وهو حرف الجر ثم الجملة (٦) وقد تقدم أيضا هذه المسألة في المائدة وغيرها ويترتب على الوجهين هل كان هذا الرجل من قرابة فرعون فعلى الأولى لا دليل فيه ، وقد رد بعضهم الأول (٧) بما تقدم ، وأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا إنما يقال : كتمت فلانا كذا فيتعدى لاثنين بنفسه ، قال تعالى: (لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وقال الشاعر :
٤٣٣٢ ـ كتمتك همّا بالجمومين ساهرا |
|
وهمّين همّا مستكنّا وظاهرا |
أحاديث نفس تشتكي ما يريبها |
|
وورد هموم لن يجدن مصادرا (٨) |
أي كتمتك أحاديث نفس وهمين ، فقدم المعطوف على المعطوف عليه ومحلّه الشعر (٩).
__________________
(١) ذكرها صاحب الكشاف في المرجع السابق والإمام الفخر في ٢٧ / ٥٧ ولم يحدد كل منهما القارىء وهي شاذة لم ترو في المتواتر.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٦٠ والكشاف ٣ / ٤٢٣.
(٣) ذكره الرازي في المرجع السابق والسمين في الدر ٤ / ٦٨٨. وقال الزمخشري : «مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» صفة لرجل أو صلة ليكتم أي يكتم إيمانه ، من آل فرعون.
(٤) انظر الدر المصون ٤ / ٦٨٨.
(٥) تفسيره ٢٧ / ٥٧.
(٦) الدر المصون المرجع السابق.
(٧) أي كون هذا الرجل من بني إسرائيل وهو ما قاله الإمام القشيري فيما نقله عنه الإمام القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٠٧.
(٨) بيتان من الطويل لنابغة ذبيان ، والرواية : كتمتك ليلا ، والجمومين اسم ماء ، وساهرا : نعت لليل أو للهم على كلتا الروايتين. والشاهد : نصب «أحاديث» بكتم مفعولا ثانيا ، ويجوز أن تنصب على البدل من قوله «همّين». وعلى ذلك الإعراب لا شاهد فدل من موطن الشاهد أن «كتم» لا يتعدى بحرف الجر بل بنفسه. وقد تقدم.
(٩) شرح ديوان النابغة للأعلم ٦٧ وانظر البيت في البحر المحيط ٧ / ٤٦٠ والدر المصون ٤ / ٦٨٨ ، والدر اللقيط على البحر ذاته والديوان ٦٧.